الثلاثاء, أبريل 8, 2025
الصوت الجنوبي – تقرير خاص
مرت ثماني سنوات منذ تحرير ساحل حضرموت من قبضة تنظيم القاعدة الإرهابي في 24 أبريل 2016، وما زال هذا الحدث يعتبر إنجازاً تاريخياً هاماً في حرب القوات الجنوبية ضد القوى الإرهابية.
هذه العملية العسكرية النوعية التي تمخض عنها تطهير ساحل حضرموت من فلول التطرف والإرهاب حملت رمزية كبيرة لدى الجنوبيين، في التحدي والصمود ورفض مظاهر الإرهاب في الجنوب.
ولفترة طويلة، ظلت محافظة حضرموت معقلاً لعناصر تنظيم القاعدة، الذين استغلوا الفجوة الأمنية في الجنوب والتي تفننت في صناعتها القوات الشمالية المركزية المتواطئة مع الإرهاب.
وفي الثلث الأول من عام 2015، اتجهت أنظار التنظيم إلى وادي حضرموت، حيث وجدوا بيئة آمنة لتنفيذ أنشطتهم، بفضل التواجد الشمالي المنطقة العسكرية الأولى.
وحتى اليوم، لا يزال يعد تحرير ساحل حضرموت من تنظيم القاعدة إنجازًا مهمًا في مسيرة الجنوبيين في مكافحة الإرهاب. هذا الإنجاز، تلته لاحقاً عمليات عسكرية في عدد من المناطق الجنوبية، كان في مقدمتها محافظة أبين، المجاورة للعاصمة الجنوبية عدن.
سخط حضرمي
مني التنظيم بفشل ذريع في التعايش مع السكان ولم يحظ بتأييد شعبي على الإطلاق في حضرموت قاطبة، على الرغم من محاولاته المستمرة لاستمالة السكان. فقد لاقى مقاطعة وعزلة اجتماعية من قبل السكان الذين لم يروا في التنظيم سوى امتدادا للقوات الشمالية السابقة.
وفي غضون ذلك، بدأ التنظيم يروج لنفسه على أنه جزء من “المقاومة الشعبية” في المواجهات ضد الحوثيين في ذلك الوقت. هذا الادعاء كان محاولة من التنظيم لكسب تعاطف الناس وتصوير نفسه كضحية أمام الرأي العام، على الرغم من عدم وجود أي مبرر لهذا الادعاء.
رغم ذلك، لم تتوقع قيادات تنظيم القاعدة أن سيطرتها على ساحل حضرموت وانتقال قياداتها إلى المدينة ستكون مصحوبة بتكاليف باهظة. فقد دفعوا ثمنًا باهظًا بسبب استهداف قادة التنظيم واحدًا تلو الآخر في الغارات الجوية التي نفذتها الطائرات المسيرة.
وأشار محللون سياسيون إلى أن تنظيم القاعدة لم يتعرض لخسائر مماثلة لهذا العدد من قادته في نفس الفترة منذ تأسيسه في شبه الجزيرة العربية. واعتقد آخرون أن سيطرة التنظيم على المكلا وانتقال قادته إلى المدينة كشف عن تحركاتهم وجعلهم عرضة للغارات الأمريكية، التي استمرت في استهداف قادة التنظيم البارزين.
بهذه الطريقة، أصبح تحقيق تنظيم القاعدة لسيطرته على المكلا ومحاولته جذب تأييد السكان المحليين قد أدى إلى نتائج عكسية للتنظيم. فقد تعرض لانتقادات شديدة وزادت عزلته المجتمعية. كما أدى ادعاؤه بأنه جزء من المقاومة الشعبية إلى فقدان المصداقية أمام الرأي العام. بالإضافة إلى ذلك، تكبد التنظيم خسائر فادحة في صفوف قادته نتيجة للغارات الجوية التي استهدفتهم.
كما أنَّ تأكيد محللين سياسيين لهذه الخسائر يبرز أهمية الضربات الجوية التي نفذتها الولايات المتحدة والتحالف الدولي ضد قادة التنظيم. هذه الضربات أثرت بشكل كبير على قدرة التنظيم على القيام بأنشطته وتنفيذ هجماته. وبالتالي، تقلص نفوذ التنظيم وتأثيره في المنطقة.
من الواضح أن سيطرة تنظيم القاعدة على المكلا ومحاولته جعلها قاعدة له لم تكن خطوة ناجحة. وعلى العكس، تسببت في تفكيك قدرته القتالية وتقليص قوته. بالإضافة إلى ذلك، فإن العمليات العسكرية المستمرة ضد التنظيم والتركيز على استهداف قادته أدت إلى تقليص قدرته على التنظيم والتخطيط لهجمات جديدة.
ويُشير ما حدث في حضرموت إلى أهمية الدعم الشعبي والتعاون المحلي في مكافحة التنظيمات الإرهابية. عندما لا يتمكن التنظيم من كسب تأييد السكان المحليين والتعايش معهم، فإن فرض العزلة المجتمعية عليه يقوض قدرته على الاستمرار والتوسع. بالإضافة إلى ذلك، توجد حاجة إلى التعاون الدولي والتنسيق الفعال لمكافحة التهديدات الإرهابية ومنع تمددها.
وخلال تلك الفترة، اُستهداف عدد من قادة التنظيم في أوقات مختلفة، بما في ذلك زعيم التنظيم ناصر الوحيشي والقادة نصر الآنسي ومأمون حاتم وإبراهيم الربيش وأبو صهيب وغالب باقعيطي. كما تم قتل القائد الميداني البارز جلال بلعيدي في غارة جوية في أبين، وقتل أبو نور الكثيري في اشتباكات مع “المقاومة الشعبية” عند مدخل عدن بعد مغادرته للمكلا.
ملاحقة الإرهاب
بعد أن تمكنت النخبة الحضرمية، بدعم وإسناد من قوات التحالف العربي، من دحر عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي من ساحل حضرموت في 24 إبريل 2016، اضطرت هذه العناصر المتطرفة إلى الفرار واللجوء إلى وديان حضرموت، بهدف الاحتماء وتعويض الخسائر التي تكبدوها.
وكانت هناك عدة أماكن بارزة في وادي حضرموت استخدمتها تنظيم القاعدة كملاذ آمن، مثل وادي المسيني الواقع غرب المكلا ووادي حجر، بالإضافة إلى مناطق ومديريات أخرى في وادي حضرموت. وقد تم اعتبار هذه المناطق معاقل قوية وأكثر أمانًا للتنظيم، مقارنة بالساحل الذي كان يتمركز فيه قوات المنطقة العسكرية الثانية والنخبة الحضرمية بشكل كبير.
واستشعارا لهذا الخطر وكضرورة لبناء قوة وطنية، دعمت دول التحالف العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، تشكيل النحبة الحضرمية وهي قوات جنوبية. ووجهت هذه القوات ضربات جوية وبرية مكثفة لضرب مواقع التنظيم. وتم تنفيذ عمليات عسكرية استباقية لتطهير المناطق المحيطة بساحل حضرموت، كخطوة تمهيدية للهجوم الرئيسي.
وتم تنسيق الهجوم بين القوات البرية والجوية، وشنت قوات النخبة هجومًا واسع النطاق على معاقل التنظيم. كما تم توجيه ضربات جوية دقيقة لتدمير تحصينات ومواقع التنظيم، مما أدى إلى ضعف قدرته على المقاومة.
ونجحت النخبة الحضرمية، بدعم من التحالف العربي، في تحرير ساحل حضرموت بالكامل من تنظيم القاعدة في أبريل 2016. وتمكنت من تطويق التنظيم وقطع خطوط إمداده وتدمير تحصيناته ومخابئه. وبعد تطهير الساحل من العناصر الإرهابية، تم استعادة الأمن والاستقرار في عمق الجنوب.
وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي محمد الجفري إنَّ “هذه العملية تعكس التعاون الوثيق والتنسيق الفعال بين النخبة الحضرمية وقوات التحالف العربي. فقد قامت القوات البرية بتحرير المناطق المحيطة بساحل حضرموت، في حين قدمت القوات الجوية ضربات جوية مكثفة لتقديم الدعم الجوي للقوات الميدانية. وبفضل هذا التنسيق المثالي، تم تحقيق توازن بين القوات البرية والجوية، مما سهم في نجاح العملية بشكل كبير”.
وأضاف: “تأتي أهمية استعادة ساحل حضرموت من تنظيم القاعدة في إعادة بناء الأمن والاستقرار في المنطقة. فقد تم استعادة الثقة والأمان لدى السكان المحليين، مما سمح للحياة اليومية بالعودة إلى طبيعتها وتعزيز التنمية المحلية. كما أتاحت استعادة السيطرة على المنطقة فرصًا أفضل لتوفير الخدمات الأساسية وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.
وقال المحلل السياسي نجيب مفيلح إنَّ “ذكرى تحرير ساحل حضرموت تمثل نقطة تحول هامة، حيث تم استعادة السيطرة على الأرض وتحقيق الخلاص النهائي من قبضة القوات اليمنية المحتلة والميليشيات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة”.
وأضاف: “تم تسليم مديريات ساحل حضرموت أولاً إلى تنظيم القاعدة كوسيلة للانتقام من أبناء حضرموت الذين رفضوا بشكل متواصل وجود القوات اليمنية المحتلة لأرضهم، وطالبوا بفك الارتباط عن اليمن والحصول على الاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية المستقلة بكامل سيادتها”.
وأشار مفيلح إلى أن تسليم تلك القوى اليمنية مديريات ساحل حضرموت لتنظيم القاعدة يأتي في إطار محاولتهم المستمرة لإلصاق تهمة الإرهاب بأبناء الجنوب أمام المجتمع الدولي والعالم.
وأكد أن “الجهود التي بذلها الجنوبيون، حينها، ساهمت في جذب الدعم السخي من الإمارات، سواء من حيث الدعم المادي أو العسكري. ومن خلال هذا الدعم، تمكن الرئيس القائد عيدروس الزبيدي من تشكيل وحدات عسكرية مختلفة للقوات الجنوبية، تقاتل الإرهاب حتّى يومنا هذا في مختلف محافظات الجنوب”.
بشكل عام، يعتبر تحرير ساحل حضرموت إنجازًا تاريخيًا ومفصليًا في مسيرة أبناء حضرموت والجنوب الذين أظهروا الشجاعة والاحترافية في مواجهة التحديات الصعبة وتحقيق النجاحات الكبيرة في معركة تحرير الساحل.
أبريل 7, 2025
أبريل 7, 2025
أبريل 7, 2025
أبريل 7, 2025