الأربعاء, أبريل 9, 2025
الصوت الجنوبي – تقرير خاص
على مدى أكثر من عقد من الزمان، شهدت المحافظات الشرقية في الجنوب سلسلة من الكوارث الطبيعية المدمرة. أعاصير هوجاء وأمطار غزيرة جرفت كل شيء في طريقها، متسببة في خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.
رغم ذلك، بقيت استجابة السلطات ضعيفة أو معدومة في معظم الأحيان، تاركة السكان المحليين يواجهون مصيرهم وحدهم. علاوة على ذلك، لا تزال الإجراءات الوقائية والاستعدادات للتعامل معها غائبة في الجنوب. ويبقى السؤال المحير: متى ستستيقظ الحكومة اليمنية لحماية مواطنيها من هذه الكوارث الطبيعية المتكررة وتعويض المتضررين الذين لم يتم تعويضهم لقرابة عقدين؟
تفاصيل الكوارث
في أكتوبر 2018، غمرت فيضانات ناجمة عن إعصار “لبان” مديريات عدة في محافظة المهرة، مخلفة الآلاف من النازحين. وفقاً لخبراء محليين، فقد نحو 16 شخصاً حياتهم، فيما أصيب أكثر من 200 آخرين، في حين فقدت الآلاف من الأسر منازلها ومصادر رزقها.
قبل ذلك بأشهر، في مايو من نفس العام، اجتاح إعصار “ميكونو” أرخبيل سقطرى وأجزاء من سلطنة عمان، مخلفاً دماراً واسعاً ووفاة 11 شخصاً على الأقل.
وفي أكتوبر 2021، ضرب إعصار “شاهين” المداري محافظة حضرموت، حيث جرفت السيول عشرات المركبات وأغرقت منازل في المدن الرئيسية.
الكارثة الأسوأ في حضرموت
لكن ما شهدته حضرموت في عام 2008 كان الأعنف خلال القرن الحادي والعشرين. أُعلنت المحافظة “منكوبة” بعد تضرر أكثر من 1200 منزل وسقوط العشرات من الضحايا جراء الأمطار الغزيرة. وفقاً لتقديرات البنك الدولي، بلغت الخسائر 1.6 مليار دولار، أي ما يعادل 6% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد آنذاك.
وليست هذه المرة الأولى التي تواجه فيها حضرموت مثل هذه الكوارث الطبيعية. فقد شهدت المحافظة، وفقاً لخبراء تحدثوا “للصوت الجنوبي”، سيولاً كبيرة وأمطاراً غزيرة في عامي 1996 و1989، مما تسبب في تضرر العديد من المنازل.
مظاهر الإهمال الحكومي
تكشف المساحات الزراعية والشوارع التي غمرتها الأمطار، إلى جانب غياب قنوات تصريف مياه الأمطار والسيول، عن غياب الدور الحكومي المفترض في الاستعداد لمثل هذه الظروف المناخية. علاوة على ذلك، لم تتخذ الحكومة أي إجراءات لإخلاء النازحين الساكنين في مجاري السيول والمناطق المعرضة للكوارث والفيضانات في محافظتي المهرة وحضرموت.
تحذيرات الخبراء
يحذر المهندس سالم القثمي من أن “الكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات والسيول، يمكن أن تحدث في أي وقت في المحافظات الشرقية الجنوبية.” ويضيف أن آثار الكوارث السابقة تظهر عدم استعداد السلطات بشكل مناسب للتعامل مع الفيضانات، وقال “للصوت الجنوبي”: إن “مشكلتنا الحقيقية تكمن في مواجهة التحديات، حيث نلاحظ أننا ندور في نفس الحلقة المفرغة عند حدوث الكوارث.”
الخطوات المطلوبة
يدعو القثمي السلطات في حضرموت والمهرة إلى تطوير خطط طوارئ لإجلاء المواطنين عند وقوع الكوارث، وبناء الحواجز والأرصفة التي يمكن أن تقلل من حدة تدفق المياه، واستحداث ممرات لتصريف المياه لتقليل تجمعها في شوارع المدن.
ويشير المهندس القثمي إلى أن خطط الإجلاء الموجودة “تفتقر إلى المعدات اللازمة” رغم الدعم الذي تتلقاه السلطات من المنظمات الدولية والإقليمية. ويضيف أنه “منذ العام 1990، لم تطرأ أي مشاريع حقيقية للحد من الأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية في الجنوب، كما أن الاستفادة من الأمطار والسيول تكاد تكون منعدمة بسبب إهمال بناء السدود والحواجز.”
ويستذكر المهندس محمد بن رشيد بعض الأعمال الناجحة، ومشاركته في بناء العديد من الحواجز المائية والسدود وقنوات الري في محافظة شبوة الجنوبية، في ثمانينات القرن الماضي. وقال “للصوت الجنوبي” إن “الحد من الآثار الناجمة عن الكوارث الطبيعية كان ضمن أولوياتنا.”
ويؤكد بن رشيد أن “خطط مواجهة السيول يفترض أن تتجه نحو كيفية تخزينها والاستفادة منها بشكل اقتصادي لتتحول السيول من عامل كارثي إلى إيجابي.” ويضيف أن “المشاريع المائية مهمة للغاية للاستفادة من السيول قدر الإمكان، حيث يمكن أن تحول السيول إلى مصدر دائم للمياه يعوض أي نقص ويساهم في مضاعفة الإنتاج الزراعي.”
يربط بن رشيد بين غياب مشاريع السدود والحواجز في الجنوب وما وصفه بـ”المؤامرات السياسية”، قائلاً إن “الجنوب يتعرض لمؤامرة مدروسة بعناية، وهذا يفسر لنا غياب المشاريع لمواجهة تحديات الطبيعة، حيث أصبحت الزراعة وتربية الحيوانات خارج اهتمام الناس منذ قيام الوحدة اليمنية.”
في المقابل، يتهم مزارعون ومتضررون من الكوارث الطبيعية في الجنوب الحكومة اليمنية بـ”الفساد” و”اختلاس” الأموال المخصصة للتعويضات وأموال الداعمين.
وعبر المزارع المهري حامد بابطاط عن فقدان الأمل في الحكومة اليمنية، قائلاً: “تكبدت أنا وغيري من المزارعين خسائر كبيرة جراء إعصار لبان والفيضانات الناجمة عنه، لكن لم تصلنا أي تعويضات ولم يتم إنشاء أي مشاريع لحمايتنا من الأخطار المحدقة.”
فساد صندوق إعادة الإعمار
في تقرير لصندوق إعادة إعمار المناطق المتضررة، ادعى الصندوق أنه صرف أكثر من 29 مليار ريال يمني كاستجابة للمتضررين في حضرموت والمهرة خلال الفترة من مارس 2009 وحتى يونيو 2013. لكن المصادر تشير إلى أن “نافذين في الحكومة المركزية السابقة وصندوق الإعمار عملوا على إنشاء مشاريع وهمية كلفت مليارات الريالات ولم تخرج إلى أرض الواقع.”
ولفتت المصادر إلى أن “معظم المواطنين الذين دمرت منازلهم لم يتلقوا تعويضاتهم من الحكومة اليمنية حتى الآن”، مضيفة أن “عدداً كبيراً من الأسر أصبحت أشبه بالنازحين وسكنت المدارس والخيام لفترات طويلة.” كما تلفت إلى أنه “تم معالجة أوضاع 350 منزلاً فقط من أصل 800 منزل متضرر في مديرية تريم، فيما لم يصرف ريال واحد لبقية المنازل المتضررة حتى الآن.”
وأردفت المصادر: “دفع 20 في المئة فقط من إجمالي التعويضات المقررة، أما النسبة المتبقية فهي مفقودة حتى يومنا هذا.”
يتضح من هذه النتائج أن الكوارث الطبيعية في الجنوب تكشف عن فساد مكتمل الأركان وفشل حكومي واضح في التعامل مع هذه الظاهرة المتكررة. فرغم تحذيرات الخبراء والدروس المستفادة من الكوارث السابقة، لا تزال الاستعدادات والإجراءات الوقائية غائبة بشكل صارخ.
الأدهى من ذلك هو اتهامات الفساد والاختلاس التي تطال الجهات المسؤولة عن إعادة الإعمار وتعويض المتضررين. فبينما تعاني الآلاف من الأسر وييئس المزارعون من انتظار التعويضات المرتقبة، تشير التقارير إلى أن الملايين من الدولارات قد ذهبت هدراً في مشاريع وهمية لم تر النور.
وفي ظل هذا الواقع المرير، يبقى السؤال المحير: متى ستدرك السلطات خطورة الوضع وتتحرك لحماية مواطنيها وممتلكاتهم من الكوارث الطبيعية؟ ومتى سيتم محاسبة المفسدين وإعادة الأموال المنهوبة إلى أصحابها الحقيقيين؟
أبريل 8, 2025
أبريل 8, 2025
أبريل 8, 2025
أبريل 8, 2025