الثلاثاء, مايو 13, 2025
الصوت الجنوبي – تقرير خاص
في 2 أبريل الماضي، أصدر البنك المركزي في العاصمة الجنوبية عدن قراراً بنقل المراكز الرئيسية للبنوك التجارية والمصارف الإسلامية وبنوك التمويل الأصغر من صنعاء الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثيين، المدعومة من إيران، إلى العاصمة عدن.
وأمهل البنك المركزي في عدن البنوك 60 يوما لتنفيذ القرار، قبل اتخاذ أي إجراءات قانونية بحق المخالفين.
وأشار البيان إلى أنَّ الإجراءات التي يفرضها الحوثيون، المصنفين جماعة إرهابية، من شأنها تعطيل العمل بالقوانين المصرفية ومنع المعاملات البنكية، وتدمير مكونات القطاع المصرفي في البلاد.
ويرى خبراء جنوبيون تحدثوا “للصوت الجنوبي” أن قرار نقل البنوك إلى عدن مثّل “خناقا اقتصاديا” حقيقيا للحوثيين الذين يسيطرون على أجزاء واسعة في الشمال، ومن شأنه أن يحد من قدرات المليشيا وعبثها بالملف الاقتصادي في الجنوب بشكل غير مباشر.
أزمة اقتصادية ووضع هش
منذ بداية الأزمة في البلاد، ظلت شركات ومنشآت الصرافة في الجنوب، محصورة النشاط والعدد، حتى نهاية العام 2011، الذي شهد سقوط النظام اليمني السابق وتلاه سقوط مؤسسات الدولة، واندلاع الأزمة والصراع في البلاد.
في تلك الفترة، استغل المتنفذون صلاحياتهم وقربهم من الحكومات الجديدة؛ لافتتاح شركات صرافة جديدة تحت قيود وهمية، في مختلف محافظات الجنوب، في ظل قانون الصرافة لسنة 1995، الذي لم يعد منسجما مع التطورات التي تشهدها الساحة الاقتصادية الدولية.
بدأ انهيار العملة اليمنية، بعد العام 2015. إذ شهد مسارا آخر في أسعار العملات الأجنبية، صعودا من السعر الرسمي 57 للريال السعودي، إلى 80، وكذلك الحال بالنسبة إلى الدولار من 215 ريال، إلى 250 ريال مع اندلاع الحرب اليمنية وسيطرت تنظيم القاعدة على مدينة المكلا بحضرموت.
لم تكن فكرة دخول صرافين جدد سوق العملة في حضرموت، أمرا يشغل بال المتنفذين قبل انقضاء خمسة أعوام على الأزمة، إلا أنّ نهاية العام 2020 شهد انتشارا غير مسبوق؛ مع تدهور الرقابة الحكومية وتزايد الحديث عن انتشار الفساد والمحسوبية داخل أجهزة الحكومة المالية.
غيّب انتشار محلات الصرافة، دور البنك بشكل نهائي؛ ما أتاح الفرصة لإطلاق سلسلة مصارف جديدة، بينها شركات تم «تفريخها» من شركات كبيرة تابعة لمتنفذين محليين، وآخرين قادمين من مناطق شمالية، بهدف التهرّب من العقوبات والإجراءات التي تفرضها الجهات الخارجية والدولية ضد بعض الشركات، ولضمان استمرار العمل في حال تقرر إغلاق إحداها.
وبحسب مصادر مصرفية، حطّمت العملات الأجنبية مقابل العملة المحلية، في الجنوب، أرقاما فلكية خلال العام 2021، وتجاوز الريال السعودي وفقا لتسعيرة البنك المركزي بعدن في الثلث الأول من نوفمبر، الـ383 ريال، فيما بلغ سعر الصرف نحو 400 في السوق السوداء، أما الدولار فقد تجاوز حاجز الـ 1461 وفقا للبنك المركزي.
وفي غضون ذلك، تبيع وتشتري بعض محلات الصرافة المرخص لها، العملات الأجنبية بشكل سري من بعض العملاء الذين يحظون بثقة موظفيها بأسعار السوق السوداء.
وقال الصحفي الاقتصادي فيصل الكلدي “للصوت الجنوبي” إنّ “استيراد النفط من الخارج والمواد الغذائية، والطلب على العملة الصعبة من كافة الاتجاهات في ظل انعدام دور البنك المركزي؛ شكّل ضغطا وطلبا كبيرا على العملة وساهم في مفاقمة الأزمة، مما أدى إلى انتشار محلات ومنشآت الصرافة، وظهورها بهذا الكم الهائل الذي لا يستوعبه أي اقتصاد في العالم”.
وأضاف: “منذ مارس 2015، افتُتحت مئات مكاتب الصرافة بصورة غير قانونية، في جميع أنحاء البلاد، وكانت غالباً امتدادا لشبكات مرتبطة بشركات مرخصة أكبر حجماً”.
وأردف: “وبينما لا تزال الشركات غير المرخصة، تتعامل مع أرقام أقل بكثير من الأرقام التي تتعامل معها الشركات المرخصة، إلا أنه محاولاتها للإمساك بحصتها في السوق من خلال التسعير الجريء أثرت بصورة كبيرة على سعر صرف الريال”.
ووفقاً للتقرير السنوي لعام 2014 الصادر عن البنك المركزي، كان هناك 605 شركة صرافة مرخصة تعمل في البلاد خلال ذلك العام، ولم تكن هناك مكاتب صرافة أخرى غير مرخصة.
واستنتجت دراسة للسوق المحلية في أوقات سابقة أنّ عدد الصرافين في البلاد ارتفع إلى أكثر من 1,350 بحلول عام 2017، بما في ذلك ما يقدر 800 من مكاتب الصرف غير المرخص لها.
وتحدث الكلدي عن حالة حضرموت، وقال إن “إجمالي عدد المصارف المرخصة في حضرموت خلال العام2021، بلغ 36 محل ومنشأة فقط، بينما تزاول البقية عملها من دون أي تراخيص عمل”، وأشار إلى أنّ شركات ما قبل العام 2010 كانت مرخصة جميعها.
وأضاف أنّ “امتداد شركات الصرافة الكبيرة إلى شركات تابعة لها يُسهم في انهيار العملة وهي سياسة يتبعها بعض التجار؛ للتهرب من أي مضايقات قانونية أو تهديد بالإغلاق، وكل ذلك يندرج ضمن المضاربة في العملة.
واعتبر الصحفي فيصل الكلدي أن قانون الصرافة لسنة 1995 كان واضحا ووضع معايير معينة، “لكنها لا تتوافق حاليا في ظل التغيرات التي تشهدها الجوانب المالية، من ناحية غسيل الأموال أو تهريبها عبر المنظمات الإرهابية”، لافتا إلى أنّ “قانون الصرافة يتم تطبيقه؛ لكنه لا يتوافق مع المتغيرات التي تشهدها الساحة الدولية.”
مخالفات
وتلعب الشبكات الداخلية ووكلاء الشركات دوراً محوريا في الانهيار، كما أنها تزاول العمل بشكل غير رسمي، وهذا يؤثر على مبدأ العرض والطلب في العملة.
ولفت الكلدي إلى إنّ العملة مثلها مثل أي سلعة تخضع للعرض والطلب، وأن البنك المركزي كانت له تدخلات في حال حدثت انهيارات أو تضخمات مالية، لكن لا توجد لديه عملة صعبة ولا سياسة نقدية في الوقت الحالي، حتى يتمكن من معالجة الأزمة الاقتصادية الراهنة.
وأكد تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن في شهر أغسطس 2021، أنّ العملة في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، فقدت ما يزيد عن 36% من قيمتها خلال عام واحد فقط، مما تسبب في ارتفاع الأسعار وعدم استقرارها في تلك المناطق.
وتشهد محافظات الجنوب حالة عدم استقرار في العملة أدى إلى ظهور موجة غير مسبوقة من الغلاء، وزيادة حادة في أسعار المحروقات والسلع الغذائية والمواد الاستهلاكية واليومية.
ويحذر خبراء الاقتصاد من استمرار الأزمة دون التدخل لإنقاذ العملة المحلية من الانهيار الحاد، الذي سينجم عنه كارثة اقتصادية إنسانية تنعكس على حياة المواطن ذوي الدخل المحدود، وتقضي على الطبقة المتوسطة التي باتت على خط الفقر، وسط تحذيرات الأمم المتحدة من اقتراب عدد كبير من السكان نحو مرحلة المجاعة.
وفي ظل قرار البنك المركزي في عدن بنقل البنوك إلى عدن يعلق الجنوبيون آملا كبيرة على البنك للحد من هيمنة الحوثيين على القطاع الاقتصادي والمصرفي في البلاد، ويبقى السؤال المطروح “هل سيمضي البنك المركزي في عدن بجدية لتنفيذ هذا القرار؟ لا سيما وأن المدة المحددة لتطبيقه لم يتبق منها الكثير”.
مايو 12, 2025
مايو 12, 2025
مايو 12, 2025
مايو 12, 2025