الإثنين, مايو 12, 2025
الصوت الجنوبي – تقرير خاص
احتشدت عشرات الآلاف من الجماهير في مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، يوم الخميس (24 أبريل/نيسان)، في فعالية حاشدة دعا إليها ونظمها المجلس الانتقالي الجنوبي.
وجاء هذا التجمع المهيب إحياءً للذكرى السنوية التاسعة لتحرير المكلا وساحل حضرموت من قبضة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وذلك في خضم تطورات سياسية وأمنية متسارعة تلقي بظلالها على مستقبل المحافظة الاستراتيجية والغنية بالموارد.
وتوافدت الحشود من مختلف مديريات حضرموت، ساحلاً ووادياً وصحراءً، إلى ساحة الحرية بقلب المكلا، في مشهد وصفه مراقبون وصحفيون محليون بأنه واحد من أكبر التجمعات الشعبية التي شهدتها المحافظة منذ سنوات، مما يعكس حجم التأييد الشعبي لرسائل الفعالية ومستوى التنظيم الذي أظهره المجلس الانتقالي الجنوبي.
بن بريك يخاطب الحضارم
شكلت الكلمة التي ألقاها اللواء الركن أحمد سعيد بن بريك، نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ومحافظ حضرموت السابق، محور الفعالية.
وخاطب بن بريك الجماهير، مؤكداً أن “هذا التجمع في المكلا هو يوم مفصلي في تاريخ حضرموت”. وأضاف: “حضرموت، بثرواتها وموقعها وتاريخها، تستحق مكانة أفضل بكثير من أن تظل عرضة للنهب والتهميش والمؤامرات”.
ولم يتردد بن بريك في توجيه تحذيرات من “مؤامرات جديدة تُحاك ضد حضرموت وأمنها واستقرارها”، مشيراً بشكل مباشر إلى ما يُعرف بـ “حركة التحرير والتغيير” التي أُعلن عنها مؤخراً في مناطق وادي حضرموت.
ووصف هذه الحركة بأنها “واجهة جديدة وامتداد لأجندات تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)”، متعهداً بأن قيادة المجلس الانتقالي وقوات النخبة الحضرمية “لن يسمحا بموطئ قدم لهذه المشاريع التدميرية على أرض حضرموت الطاهرة”.
وفي هذا السياق، وجه بن بريك نداءً مباشراً للقيادي القبلي البارز، الشيخ عمرو بن حبريش العليي، وكيل أول محافظة حضرموت ورئيس حلف ومؤتمر حضرموت الجامع، ولكافة قبائل حضرموت ومكوناتها المجتمعية، داعياً إياهم إلى “رص الصفوف والتوحد خلف هدف واحد هو مصلحة حضرموت العليا وتأمين مستقبل أبنائها بعيداً عن أجندات قوى الإرهاب والتطرف ومن يقف خلفها”، في إشارة ضمنية إلى القوى المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين التي يتهمها المجلس الانتقالي بمحاولة زعزعة استقرار المحافظات الجنوبية المحررة.
كلمة تاريخية
في تطور لافت، حمل خطاب بن بريك مقترحاً موجهاً لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس قاسم الزُبيدي، بتغيير التسمية المقترحة للدولة الجنوبية المستقبلية.
وقال بن بريك: “نقترح على الأخ الرئيس القائد عيدروس الزبيدي أن تكون تسمية دولتنا القادمة هي دولة حضرموت العربية المتحدة”، بدلاً من التسميات المتداولة مثل “اليمن الجنوبي” أو “الجنوب العربي”. ويعكس هذا المقترح، بحسب محللين، محاولة لاستيعاب الخصوصية الحضرمية ضمن المشروع الجنوبي الأوسع، وتأكيداً على محورية حضرموت في أي ترتيبات سياسية مستقبلية.
وعلى الصعيد العسكري والأمني، شدد بن بريك على الأهمية القصوى لتطوير وتعزيز قدرات قوات النخبة الحضرمية، الذراع العسكرية المحلية التي تشكلت بدعم إماراتي ولعبت دوراً محورياً في طرد القاعدة عام 2016 وتحافظ على الأمن في مناطق الساحل.
وأكد على ضرورة “تحديث هذه القوات وتزويدها بالتقنيات الحديثة، بما في ذلك الطائرات المسيّرة، لتمكينها من بسط سيطرة الدولة وتأمين كافة مناطق المحافظة”.
كما كشف بن بريك عن خطط لنشر وحدات من النخبة الحضرمية “قريباً جداً في مناطق وادي وصحراء حضرموت”، وهي المناطق التي لا تزال تشهد فراغاً أمنياً وتعتبر معقلاً محتملاً لفلول التنظيمات المتطرفة وتنتشر فيها قوات المنطقة العسكرية الأولى المثيرة للجدل.
دعوة للتحالف
في خطابه للجماهير بفعالية “حضرنوت أولا”، حمّل بن بريك المجلس الرئاسي مسؤولية “الفشل في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والخدمية الموعودة”، والتي قال إن المواطنين في حضرموت والجنوب عموماً لم يلمسوا أثراً لها.
كما وجه دعوة مباشرة للتحالف العربي لدعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، مطالباً إياه بـ “الوفاء بالتزاماته بموجب قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ولا سيما الفصل السابع، لتوفير الخدمات الأساسية وتخفيف معاناة المواطنين”، معتبراً أن دعم الاستقرار الاقتصادي والمعيشي لا يقل أهمية عن الدعم العسكري.
وكان قد سبق الفعالية الجماهيرية بساعات قليلة، تنظيم عرض عسكري مهيب لقوات النخبة الحضرمية في مدينة المكلا. وشمل العرض مرور عشرات الآليات والمدرعات العسكرية التي زينتها أعلام دولة الجنوب السابقة، في استعراض يعكس جاهزية هذه القوات وقدرتها على فرض الأمن، ورسالة سياسية واضحة حول الهوية الجنوبية للمحافظة.
وحضر العرض إلى جانب اللواء بن بريك، رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، علي عبدالله الكثيري، وعدد من القيادات العسكرية والأمنية والسياسية في المجلس والمحافظة.
تحليل ودلالات
يرى الكاتب والمحلل السياسي الحضرمي، فهد بن حميد، أن هذه الفعالية الحاشدة، بتوقيتها ومضمونها، تحمل دلالات بالغة الأهمية. ويقول بن حميد في تصريح لـ”الصوت الجنوبي”: “هذا الحشد غير المسبوق ليس مجرد احتفال بالذكرى، بل هو استفتاء شعبي على الأرض يؤكد التفاف أبناء حضرموت حول مشروعهم الوطني المتمثل في إدارة شؤون محافظتهم بأنفسهم عبر قواتهم المحلية (النخبة الحضرمية)، ورفضهم القاطع لأي محاولات لإعادة إنتاج الفوضى أو فرض أجندات خارجية لا تخدم مصالح حضرموت”.
ويضيف بن حميد: “رسائل اللواء بن بريك كانت واضحة؛ حضرموت لن تقبل بأن تكون ساحة خلفية لصراعات قوى النفوذ اليمنية التقليدية، وتحديداً تلك المرتبطة بتيار حزب الإصلاح الإرهابي الفرع المحلي لتنظيم الإخوان المسلمين الذي يسعى عبر أدوات مختلفة بما فيها التشكيلات المشبوهة التي تظهر في الوادي، لتقويض الاستقرار الذي تحقق في الساحل ومنع حضرموت من لعب دورها المحوري في إطار الدولة الجنوبية الفيدرالية القادمة التي يطالب بها المجلس الانتقالي”.
أصداء شعبية
على الصعيد الشعبي، لا تزال ذكرى تحرير المكلا من تنظيم القاعدة حية في أذهان السكان. يقول المواطن صالح بادبيس، وهو من سكان المكلا: “لا يمكن أن ننسى أيام الظلام التي عشناها تحت حكم القاعدة. التحرير كان بمثابة ولادة جديدة للمدينة بفضل تضحيات أبنائنا في النخبة الحضرمية ودعم الأشقاء في الإمارات. اليوم، نرى هذا الحشد الكبير ونتذكر تلك التضحيات، ونطالب بأن يمتد الأمن والاستقرار الذي نعيشه في الساحل إلى مناطق الوادي التي ما زالت تعاني من الانفلات الأمني ووجود قوات لا تنتمي لحضرموت”.
ويضيف بادبيس “للصوت الجنوبي”: “نحن مع مطالب قيادتنا في المجلس الانتقالي. نريد أن تكون حضرموت لأهلها، وأن تُدار مواردنا لصالح تنميتنا، وأن تنتهي كل المؤامرات التي تستهدف أمننا. رسالة (حضرموت أولاً) التي رفعتها الفعالية تعبر عن مشاعر كل حضرمي غيور”.
تحرير الوادي
تكتسب الدعوات لنشر النخبة الحضرمية في الوادي والصحراء بحضرموت أهمية متزايدة في ظل استمرار التوترات الأمنية والجدل المحتدم حول مستقبل قوات المنطقة العسكرية الأولى المتمركزة هناك.
وتتألف هذه القوات، التي ينحدر غالبيتها من جنود وضباط ينحدرون من المحافظات الشمالية، وكثير منهم من مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين.
ويتهم أبناء حضرموت والمجلس الانتقالي الجنوبي المنطقة العسكرية الأرلى بالولاء لأجندات حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) وبالتقاعس في مواجهة فلول القاعدة والجماعات المتطرفة، بل وحتى بالتواطؤ معها في بعض الأحيان، بالإضافة إلى اتهامات بالضلوع في عمليات تهريب منظمة.
ويرى العقيد المسرح قسريا هادي باسرور أن الوضع في الوادي يمثل “قنبلة موقوتة وتهديداً استراتيجياً ليس فقط لحضرموت بل للمنطقة بأسرها”.
ويقول باسرور لـ”الصوت الجنوبي”: “تحرير الساحل كان إنجازاً تاريخياً، لكن المعركة لم تكتمل. وجود قوات غير حضرمية، ذات ولاءات مشبوهة، في الوادي والصحراء، يوفر بيئة خصبة لعودة نشاط التنظيمات الإرهابية ويمنع بسط سيادة الدولة ويستنزف موارد المحافظة”.
ويشدد باسرور على أن قوات النخبة الحضرمية أثبتت كفاءتها وولاءها لحضرموت وأهلها!، ويشير إلى أنّ نشرها في الوادي والصحراء، بعد إعادة هيكلة وتأهيل شاملين كما أشار اللواء بن بريك، هو الحل الوحيد لضمان أمن واستقرار المحافظة بشكل كامل، وقطع دابر المؤامرات التي تحاك ضدها”.
واختتم العقيد باسرور حديثه بالتأكيد على أن قرار كهذا يتطلب إرادة سياسية قوية ودعماً واضحاً من التحالف العربي، لأنه يمس توازنات قوى معقدة.
مايو 12, 2025
مايو 12, 2025
مايو 12, 2025
مايو 12, 2025