الصوت الجنوبي – تقرير خاص

مثّل حلف قبائل حضرموت عند تأسيسه في عام 2013 بارقة أمل طال انتظارها، ككيان قبلي وطني موحد جاء من رحم المعاناة، ليكون درع حضرموت الحصين وصوتها في وجه التهميش والنهب المنظم.

تأسس الحلف على مبادئ الدفاع عن حقوق الحضارم، وصون ثرواتهم وهويتهم، بعيدًا عن هيمنة المركز اليمني وسياساته الإقصائية. لكن هذه المبادئ سرعان ما تآكلت، وتحول الحلف – بفعل سياسات عمرو بن حبريش – من منبر للمطالبة إلى أداة تستخدم لخدمة أجندات غريبة على حضرموت ومصالح أهلها.

بعد سنوات من التفرد والانحراف، جاءت خطوة عزل بن حبريش من قيادة الحلف كتصحيح ضروري لمسارٍ حُرف عمدًا، ورد شعبي على محاولاته تمزيق إرادة الحضارم، واختزال كيان جامع بحجم الحلف في شخصٍ واحدٍ يسير عكس اتجاه الأغلبية الساحقة من أبناء المحافظة، الذين لا يرون بديلًا عن استعادة الدولة الجنوبية المستقلة.

تفرد بالسلطة

لم يكن الفشل وليد اللحظة، بل هو حصاد مسار طويل من العبث السياسي والتفرد الإداري. فقد أفرغ بن حبريش الحلف من مضمونه، وأقصى القيادات القبلية البارزة، وحوّله إلى منصة شخصية تتماهى مع مشاريع الوحدة اليمنية، والتي تُعتبر – بحسب غالبية الجنوبيين – سببًا رئيسيًا في نهب ثروات حضرموت وتهميش أهلها لعقود.

في هذا السياق، قال الكاتب السياسي الجنوبي سالم المحمدي في حديث لـ”الصوت الجنوبي”: “المأساة الكبرى لحلف قبائل حضرموت تمثلت في أن قيادته السابقة، ممثلة في عمرو بن حبريش، استخدمت الثقل الرمزي والاجتماعي للحلف كغطاء لتمرير أجندة سياسية لا تعبر عن حضرموت”

وأضاف: “لقد حوّله من كيان مطلبي يخدم الأرض وأهلها إلى ورقة في يد قوى سياسية معادية لتطلعات الجنوب، وهو ما أفقد الحلف مصداقيته وجعله غريبًا عن نبض الشارع”.

وأرد المحمدي: “السمة الأبرز لعهد بن حبريش كانت التفرد بالقرار. لقد تَجاهل مؤسسات الحلف، ومرر قراراته بمعزل عن هيئاته التمثيلية، وكان ذلك واضحًا في ما سُمّي بـ’مؤتمر حضرموت الجامع’، الذي لم يلقَ قبولًا شعبيًا، بل واجه انتقادات لاذعة حتى من اللجنة الأمنية بمحافظة حضرموت، التي تساءلت عن شرعية البيان التحريضي الذي صدر باسمه”.

إرادة حضرمية تصطدم بأجندة مشبوهة

بينما كان بن حبريش يدفع بحضرموت إلى عزلة سياسية مريبة، كانت المحافظة تعبّر عن نفسها بشكل جلي. فقد احتشد مئات الآلاف من أبنائها في الفعاليات الشعبية والمناسبات التي دعا إليها المجلس الانتقالي الجنوبي، مؤكدين انتماءهم الواضح للمشروع الوطني الجنوبي، ورفضهم لأي محاولات سلخ حضرموت عن عمقها الجنوبي الاستراتيجي.

لقد تمسكت القبائل وقوى المجتمع الحضرمي بقوات النخبة الحضرمية التي فرضت الأمن على الأرض، واعتبرتها ممثلًا حقيقيًا لإرادة الناس، وهو ما ناقض نهج بن حبريش الذي ظل يغازل قوى اليمن الموحد، متجاهلًا حقيقة أن الواقع على الأرض تجاوز تلك المشاريع منذ زمن.

وقال الصحفي الجنوبي صلاح باراس لـ”الصوت الجنوبي”: “عمرو بن حبريش فشل في قراءة المزاج الحضرمي، أو ربما تعمد تجاهله. لقد ظل يروّج لخطاب سياسي تجاوزه الشارع، في حين كان الناس قد حسموا أمرهم بالانحياز الكامل للمجلس الانتقالي الجنوبي ومشروع استعادة الدولة”.

وتابع باراس: “الخذلان لم يكن سياسيًا فقط، بل وجوديًا. الحلف تأسس للدفاع عن حضرموت، لكنه في عهد بن حبريش أصبح وسيلة لتمرير الولاءات المشبوهة، وتغييب القرار الحضرمي الحقيقي. ولذلك، لم يكن قرار عزله سوى استجابة طبيعية لغضب تراكمي داخل صفوف القبائل والمجتمع المحلي”.

تصحيح المسار

إن قرار عزل بن حبريش لا يعني نهاية الحلف، بل يمثل نقطة انطلاق جديدة نحو استعادة أصالته ووظيفته الحقيقية كجبهة مجتمعية موحدة، تعمل من أجل حضرموت وأبنائها، وتنسجم مع المشروع الوطني الجنوبي الذي يحظى بقبول شعبي واسع.

اليوم، يدرك أبناء حضرموت أن قوة المحافظة في وحدتها ضمن الجنوب، لا في انكفائها أو توظيفها كأداة تفاوضية في يد أفراد أو كيانات خارجة عن الإجماع. ويأمل الشارع الحضرمي في أن تعود روح الحلف، بعيدًا عن الشخصنة، لتكون أداة ضغط لتحقيق التنمية، وضمان التمثيل العادل في إطار الدولة الجنوبية الفيدرالية القادمة.

وفي هذا السياق، قال المحمدي: “هذه المرحلة تفرض علينا إعادة بناء الحلف من جديد، وإرساء آليات تضمن التمثيل الحقيقي، والمحاسبة، ومنع عودة التفرد. فحضرموت تحتاج صوتًا قويًا، لا نسخة مشوهة من سلطة فاسدة”.

حضرموت قلب الجنوب

لقد أثبتت حضرموت، برجالها وقبائلها ونخبها، أنها قادرة على تصحيح المسار، ورفض كل من يحاول المتاجرة بقضاياها أو فرض مشاريع مضادة لتاريخها وواقعها الجنوبي. وفي كل مناسبة شعبية، تثبت أنها لم ولن تكون ملحقًا لأحد، بل هي قلب الجنوب النابض، وحجر الزاوية في دولته القادمة.

ويؤكد باراس في ختام حديثه “للصوت الجنوبي”: “لقد لفظ الشارع الحضرمي القيادات التي خانت ثقته، واليوم تعود حضرموت لتصنع مصيرها بإرادتها. والمجلس الانتقالي الجنوبي هو الإطار الذي يجسّد هذا التوجه، ويحظى بتأييد الغالبية. نحن أمام لحظة تاريخية ينبغي صونها لا تفويتها”.

مع كل ما شهده الحلف من انحراف، تبرز الآن فرصة نادرة لإعادة تموضعه ككيان مدني – قبلي مسؤول، يتناغم مع تطلعات حضرموت الكبرى في الحرية والكرامة والاستقلال. فالتاريخ لا يرحم المفرّطين، وحضرموت لا تنتظر من يتلكأ عن اللحاق بركب الجنوب، بل تسير بثبات نحو مشروعها، بقيادة واعية، وبحاضنة اجتماعية تعرف جيدًا من معها ومن ضدها.