الصوت الجنوبي – تقرير خاص

في مشهد سياسي وشعبي لافت، شهدت مدينة المكلا يوم الاثنين 21 يوليو 2025م موقفًا صارمًا من أبناء حضرموت تجاه محاولات إعادة إنتاج الهيمنة اليمنية بصيغة جديدة. فقد طرد محتجون غاضبون لجنة برلمانية تابعة لما يُسمى “مجلس النواب اليمني” أثناء تواجدها بأحد فنادق المدينة، في تعبير حاسم عن رفض الشارع الحضرمي لأي تدخل خارجي أو محاولات للوصاية على قرار محافظتهم.

لم يكن هذا الرفض مجرد رد فعل عاطفي، بل نتيجة لتراكم طويل من الغضب الشعبي ضد محاولات فرض الوصاية السياسية من قوى خارج المحافظة، تحت عناوين “الرقابة” و”تقييم الأداء”، بينما الهدف الحقيقي هو خلط الأوراق وإرباك المشهد الجنوبي، وضرب استقرار حضرموت وحق أبنائها في تقرير مصيرهم ضمن إطار مشروع وطني جنوبي جامع.

انتقالي حضرموت يُحذّر مبكرًا: لا شرعية للجنة ولا قبول لمهمتها

قبل أكثر من أسبوعين على نزول لجنة البرلمان اليمني إلى المكلا، كانت القيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي بحضرموت قد أصدرت بيانًا رسميًا في 3 يوليو 2025م، حذّرت فيه من خطورة الخطوة، واعتبرتها استفزازًا سياسيًا مرفوضًا من حيث الشكل والمضمون.

البيان وصف مجلس النواب اليمني بأنه منتهي الصلاحية ولا يمتلك أي مشروعية دستورية أو سياسية تؤهله للتدخل في شؤون حضرموت أو غيرها من محافظات الجنوب، مؤكدًا أن حضرموت لن تقبل بعد اليوم بأي شكل من أشكال الوصاية أو إعادة إنتاج أدوات الدولة اليمنية الفاشلة.

كما أشار إلى أن اللجنة البرلمانية تحاول التشويش على الاستقرار والإنجازات، متسائلًا عن صمتها المزمن إزاء سقوط صنعاء بيد الحوثيين، وانشغالها بدلاً من ذلك بمحافظات جنوبية تنعم بالهدوء وتسير نحو الاستقلالية السياسية.

لجنة الزيارة في مرمى الغضب الشعبي: “لا تفويض ولا شرعية”

اللجنة البرلمانية التي حاولت النزول إلى حضرموت قوبلت برفض واسع من مختلف الأوساط، واعتُبرت جسدًا غريبًا على المحافظة، خصوصًا وأنها لم تأتِ لتناقش هموم الناس أو تقدم حلولًا ملموسة، بل حملت أجندة “رقابية” تُخفي خلفها نوايا سياسية مريبة.

مهمة اللجنة بدت كذريعة لإعادة ربط المحافظة بالمركز، خاصة في ظل صراع السيطرة على الموارد، إذ حاولت استغلال اللافتة البرلمانية لإضفاء طابع مؤسسي على أطماع سياسية مفضوحة.

الشارع الحضرمي لم يتأخر في الرد. الاحتجاجات التي خرجت أمام الفندق طردت اللجنة بشكل علني، في موقف وُصف بأنه “استفتاء شعبي ميداني” على مشروعية البرلمان اليمني، مفاده: حضرموت ليست ساحة مفتوحة للمساومات ولا ملعبًا لأطراف فاشلة.

تحرك قيادي موحد: حضرموت وشبوة ترفضان مسرحيات الوصاية

ردًا على التحركات المشبوهة، عقد العميد الركن سعيد أحمد المحمدي، رئيس انتقالي حضرموت، اجتماعًا سياسيًا مهمًا مع نظيره من شبوة الشيخ لحمر علي لسود، وبحضور قيادات من الجمعية الوطنية.

اللقاء ناقش خطورة اللجنة الزائرة، وأبعادها السياسية، مشددًا على أن البرلمان اليمني لم يعد يملك أي صلاحية للتحدث باسم أحد، ولا يحق له إطلاق لجان تفتيشية أو رقابية في الجنوب، خاصة من عواصم الشتات.

البيان المشترك الصادر عن اللقاء أكد أن اللجنة مجرد أداة تحاول تنفيذ أجندة لعرقلة الاستقرار وإرباك الرأي العام، كما وجّه تحذيرًا شديد اللهجة من مغبة التمادي في مثل هذه المحاولات، داعيًا أبناء الجنوب إلى الاصطفاف خلف مشروع الاستقلال والكرامة الوطنية.

“الجامع” في قفص الاتهام: بيان لا يمثل حضرموت

أثار بيان مؤتمر حضرموت الجامع، الذي أصدرته الأمانة العامة بقيادة القاضي أكرم العامري، موجة استياء واسعة، بعدما وصف طرد اللجنة البرلمانية بأنه “سلوك غير مسؤول”، متهمًا جهات محلية بعرقلة مهمتها “الوطنية”.

ما فجّر الغضب هو أن البيان بدا وكأنه صدى لأصوات من خارج حضرموت، حيث كشفت مصادر مطلعة أن رئيس البرلمان سلطان البركاني هو من ضغط لإصداره، في محاولة لتقويض صورة الرفض الشعبي وخلق انطباع زائف عن وجود ترحيب محلي باللجنة.

عدد من أعضاء المؤتمر أعلنوا رفضهم لهذا البيان، وأكدوا أنه لا يعبّر عن إرادة الشارع، بل عن مصالح ضيقة لبعض القيادات، مطالبين بإعادة تصويب بوصلة “الجامع” نحو هدفه الحقيقي ككيان حضرمي مستقل لا تابع.

التمثيل المزعوم في مواجهة الصوت الشعبي الحقيقي

تسبب بيان “الجامع” في حالة شرخ جديدة بين القيادات السياسية والقاعدة المجتمعية. بينما كانت الجماهير تحتج وتواجه اللجنة على الأرض، خرج “الجامع” بلغة تُشبه لغة بيانات صنعاء، ما اعتُبر استفزازًا واضحًا للمجتمع الحضرمي.

كتاب ومحللين سياسيين وصفوا ما جرى بأنه “أزمة تمثيل”، متسائلين عن مدى استقلالية المؤسسات الحضرمية، وقدرتها على تمثيل الشارع لا المانحين. فيما اعتبروا أن ما فعله “الجامع” يمثّل خضوعًا غير مبرر لتعليمات خارجية، قائليين: “حضرموت ليست مرفقًا إداريًا حتى يأتي من يقرر نيابة عنها”.

حضرموت تصنع موقفها: لا عودة إلى دائرة التبعية

المشهد العام يؤكد أن حضرموت تقف على أعتاب مرحلة مفصلية. ما حدث لم يكن مجرد رفض لجنة برلمانية، بل رسالة سياسية عالية الصوت: المحافظة لن تعود إلى مربع الهيمنة، ولن تُدار إلا بإرادة أهلها.

الرسالة وصلت بوضوح: البرلمان اليمني لا مكان له في حضرموت، و”الجامع” إن لم يعُد إلى ثوابته، فسيفقد مكانته كجسم وطني. الجنوب عمومًا، وحضرموت على وجه الخصوص، يكتبان اليوم تاريخًا جديدًا، عنوانه العريض: لا صوت يعلو فوق صوت الشعب.