حضرموت: بين صراع قطبي السلطة المحلية.. المكلا تغرق في ظلام دامس (تقرير خاص للصوت الجنوبي)

الصوت الجنوبي – تقرير خاص

تعيش مدينة المكلا، حاضرة ساحل حضرموت، في ظلام تام منذ أكثر من ثلاثين ساعة متواصلة، في واحدة من أسوأ موجات الانقطاع الكهربائي التي عرفتها المحافظة منذ سنوات. وبينما يواجه المواطنون صيفًا قائظًا بلا كهرباء، تتصاعد وتيرة الغضب الشعبي احتجاجًا على ما باتوا يصفونه بـ”التواطؤ الرسمي” مع الفشل المتكرر في إدارة الأزمات الخدمية.

هذه الأوضاع المتدهورة لم تكن وليدة عطل طارئ أو خلل فني، بل هي نتيجة مباشرة لصراع عبثي بين أطراف السلطة المحلية، وتحركات معرقِلة من جهات نافذة في الهضبة، عطّلت وصول الوقود إلى محطات التوليد، وتركت المدينة تعاني وسط صمت وعجز رسمي فاضح.

أزمة بلا أفق.. والمكلا تُعاقب في وضح النهار

في شوارع المكلا، لا صوت يعلو فوق صوت الغضب. وكذا تشهد الشحر مظاهرات، وقطع للطرق في غيل باوزير، واحتجاجات ليلية أشعلت الإطارات وأغلقت الشوارع في أحياء الشرج والديس وفوة بمدينة المكلا. كل هذه الصور باتت جزءًا من مشهد يومي يتكرر في ساحل حضرموت، مع كل موجة انقطاع طويلة للكهرباء.

مدير كهرباء الساحل حذّر صراحة من انهيار كامل في المنظومة، مؤكداً أن الوقود لم يصل إلى المحطات منذ يومين، وأن الطاقة الإنتاجية للمولدات تتراجع بشكل خطير. وفي ظل هذه المعطيات، باتت المكلا تعيش في نفق مظلم طويل، لا يرى فيه المواطنون بصيص أمل.

الاحتجاجات لم تعد مجرد ردود فعل غاضبة، بل تحولت إلى صرخة مدوية ضد تجاهل الجهات المسؤولة، وتآمر بعض مراكز النفوذ التي اتخذت من خدمات الناس وسيلة لفرض شروطها في صراع غير شريف، يدفع ثمنه المواطن وحده.

وثائق رسمية تفضح المتسببين.. والاتهامات تتبادل

كشفت وثائق صادرة عن شركة النفط في ساحل حضرموت أن تصاريح مرور قواطر الوقود صدرت منذ أيام، وأن العرقلة لم تكن بسبب “إجراءات قانونية”، بل نتيجة احتجاز متعمّد من قِبل مسلحين يتبعون حلف قبائل حضرموت بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش.

في المقابل، حاول الحلف تبرئة ساحته عبر رواية مضادة تدّعي تأخر التصاريح، إلا أن الوثائق والتصريحات الرسمية أظهرت زيف هذه المزاعم، وأكدت أن ما حدث كان “قرارًا سياسيًا” لخنق الساحل خدمةً لأجندات خاصة.

هذه الحقائق أثارت غضبًا واسعًا، خاصة بعد أن تبين أن ممارسات الحلف تسببت بشكل مباشر في انقطاع الكهرباء عن كامل مدينة المكلا، وأدخلت السكان في حالة حر غير مسبوقة، وسط تفاقم معاناة المرضى وكبار السن والأطفال.

النخبة الحضرمية.. انضباط أمني يحظى بالإشادة

رغم حالة الغليان الشعبي، أظهرت قوات النخبة الحضرمية والأجهزة الأمنية بساحل حضرموت أعلى درجات ضبط النفس، وتعاملت بمسؤولية عالية مع الاحتجاجات دون اللجوء إلى العنف أو تفريق المتظاهرين بالقوة، وهو ما حظي بإشادة من مختلف الأوساط.

اللجنة الأمنية أكدت في بيان رسمي أنها تقف إلى جانب مطالب المواطنين، وتحذر من محاولات بعض الجهات التسلل إلى صفوف المحتجين لاستغلال الوضع ودفعه نحو التخريب أو استهداف المرافق الحيوية.

في الوقت نفسه، شددت اللجنة على أن الممتلكات العامة والكوادر الأمنية “خطوط حمراء”، ودعت العقلاء والمشايخ والدعاة إلى المساهمة في ضبط النفس وتوجيه الغضب الشعبي نحو الاحتجاج السلمي المسؤول.

المجلس الانتقالي: السلطة المحلية ومجلس القيادة يتحملان المسؤولية

في بيان سياسي حازم، حمّل المجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة حضرموت السلطة المحلية بطرفيها كامل المسؤولية عن التدهور الخدمي والانهيار الكامل لمنظومة الكهرباء، معتبرًا أن الصراع على المال والنفوذ هو السبب الحقيقي لمعاناة الناس.

البيان لم يكتف بتحميل طرفي السلطة المحلية وحدهما المسؤولية، بل اتهم أيضًا مجلس القيادة الرئاسي بالتقاعس عن التدخل ومعالجة الأزمة، مما ساهم في تعميق معاناة المواطنين وخلق فراغ إداري خطير.

وأكد المجلس وقوفه الكامل إلى جانب المحتجين ومطالبهم المشروعة، مشيرًا إلى أن الحلول لن تأتي من داخل دوامة الصراع، بل من خلال إنهاء الفوضى ومحاسبة المعرقلين وتثبيت سلطة القانون والمؤسسات.

المحمدي: نحذر من سيناريو شبوة.. والمكلا ليست ساحة للفوضى

العميد الركن سعيد أحمد المحمدي، رئيس تنفيذية انتقالي حضرموت، عقد لقاءًا طارئًا مع رؤساء المراكز المحلية للمجلس في المكلا، شدد فيه على أهمية تنظيم الشارع، وقيادة الاحتجاجات بعيدًا عن الفوضى والانفلات.

وأكد المحمدي أن حضرموت لا تتحمل تكرار سيناريو شبوة، الذي أسقط النخبة الشبوانية، مشيدًا بتماسك الأجهزة الأمنية والنخبة الحضرمية، ومطالبًا بتعزيز حضورهم ومكانتهم في ظل الأزمة الراهنة.

كما دعا المحتجين إلى حماية الممتلكات العامة والخاصة، والحذر من الاختراقات المشبوهة التي تسعى لجرّ المكلا إلى مستنقع التخريب، مشددًا على أن المجلس الانتقالي سيظل في طليعة المدافعين عن حقوق المواطنين وكرامتهم.

في حضرموت.. من يُنقذ الناس من العتمة؟

الاحتجاجات الغاضبة، والانقطاعات الطويلة، والتحذيرات من توقف شامل للكهرباء، لم تعد مجرد أزمة خدمية عابرة، بل تحوّلت إلى إنذار مبكر بانفجار اجتماعي واسع، في ظل عجز السلطة عن فرض هيبتها أو حسم الصراع على الوقود.

مدينة المكلا التي غرقت في العتمة لأكثر من 24 ساعة متواصلة، لم تعد تنتظر البيانات، بل تنتظر فعلًا حقيقيًا يحمي كرامة الناس، ويوقف هذا العبث الذي حول الكهرباء إلى أداة للابتزاز السياسي.

ما يجري اليوم في حضرموت يؤكد أن استمرار الصراع دون تدخل حاسم، لن ينتج سوى المزيد من الانهيار، وأن المواطن الذي أصبح رهينة في صراع لا يعنيه، قد ينفجر قريبًا إذا استمر تجاهله.