الصوت الجنوبي – تقرير خاص

في خضم تعقيدات المشهد وتقاطع الأجندات الإقليمية والدولية، يواصل المجلس الانتقالي الجنوبي تحقيق مكاسب سياسية بارزة، مكرساً حضوره كرقم صعب في معادلة الحرب والسلام في البلاد، رغم كل التحديات التي تحيط به من خصوم الداخل والخارج.

فمنذ تأسيسه في العام 2017، استطاع المجلس أن يفرض نفسه كواجهة سياسية للقضية الجنوبية، ويعيد إحياء طموحات الجنوبيين باستعادة دولتهم، بعد سنوات من التهميش والإقصاء.

حضور سياسي قوي

رغم محاولات التشويه والتضييق التي تمارسها أطراف معادية، نجح المجلس في كسب اعتراف سياسي واسع، وترسيخ حضوره في مؤسسات الدولة.

وفي هذا الصدد، قال المراقب السياسي الجنوبي صالح التميمي في حديث خاص “للصوت الجنوبي”: “لقد استطاع المجلس الانتقالي أن ينتزع حضوره السياسي رغم الحصار المفروض عليه، لا من الحوثيين فقط، بل من بعض الأطراف المحسوبة على الشرعية. ومع ذلك، نجح في ترسيخ نفسه كلاعب رئيسي لا يمكن تجاوزه في أي تسوية مستقبلية.”

وأضاف التميمي: “أثبت المجلس أنه ليس مجرد فصيل محلي، بل كيان سياسي منظم يتمتع بدعم شعبي واسع وقاعدة سياسية تمتد من المهرة إلى باب المندب. وهذا لم يكن ليحدث لولا وجود رؤية واضحة وقيادة ميدانية تتعامل مع الواقع ببراغماتية وحنكة.”

وعلى الرغم من الحروب المفتوحة التي يواجهها المجلس الانتقالي سواء من جماعة الحوثي المصنفة إرهابية أو من أطراف داخل الحكومة، إلا أنه نجح في الحفاظ على قدر من التوازن بين العمل السياسي والدور العسكري، وهو ما أتاح له التقدم بخطى ثابتة على مسارين متوازيين: التفاوض والميدان.

ملاحم نضالية مشرفة

في الوقت الذي يدفع فيه المجلس نحو استعادة الدولة الجنوبية سلمياً، تواصل قواته التصدي لمحاولات زعزعة الأمن في الجنوب، وخاصة العاصمة عدن وأبين وشبوة.

هذا التوازن منح المجلس مصداقية داخلية وخارجية، وجعل من حضوره في المشاورات الدولية أمراً لا مفر منه.

وتحدث الصحفي الجنوبي علي السعدي “للصوت الجنوبي”: “المجلس الانتقالي لم يكتف بالخطاب السياسي، بل انتقل إلى العمل المؤسساتي، وشارك في الحكومة، وأدار ملفات خدمية وأمنية رغم التحديات، وهذا بحد ذاته نصر سياسي حقيقي في ظل بيئة مليئة بالألغام.”

وبشأن الحملة التي تستهدف المجلس إعلامياً وسياسياً، قال السعدي: “هناك أطراف إقليمية ووطنية لا تريد للمجلس أن ينجح، لأنها ترى فيه مشروعاً بديلاً قادراً على قلب المعادلة السياسية في اليمن. لكن قوة المجلس تكمن في قدرته على الاستمرار رغم هذه الحملات، واعتماده على شرعية الشارع الجنوبي لا على المحاصصة السياسية.”

اعتراف دولي متزايد

نجاحات المجلس لم تقتصر على الداخل فقط، بل امتدت إلى المحافل الدولية. فقد التقى مسؤولوه بمبعوثين دوليين، وشاركوا في مشاورات مع الأمم المتحدة، وكان لهم حضور فاعل في معظم المبادرات التي طرحت لحل الأزمة.

وقد حرص المجلس على إيصال رسالة واضحة بأن القضية الجنوبية ليست ورقة ضغط، بل قضية وطنية عادلة لا يمكن تجاوزها، وأن الحل في اليمن لن يكون شاملاً ما لم يتضمن حلاً جذرياً للقضية الجنوبية.

وفي هذا السياق، أشار التميمي إلى أن “القبول الدولي المتزايد بالمجلس يعكس إدراك العالم لحقيقة التوازنات الجديدة في اليمن، خاصة مع تراجع نفوذ بعض القوى التقليدية، وبروز المجلس كقوة مستقرة ومنظمة.”

ورغم بعض التباينات التي ظهرت في مراحل معينة، حافظ المجلس الانتقالي الجنوبي على علاقات استراتيجية مع دول التحالف العربي، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي دعمت جهوده في بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية.

ويبدو أن المجلس بات يمثل الخيار الواقعي الأكثر استقراراً بالنسبة للعديد من الأطراف الإقليمية التي تبحث عن شركاء فاعلين على الأرض، يمكنهم إدارة مناطقهم بكفاءة ومواجهة التهديدات الحوثية والإرهابية.

في هذا السياق، أوضح السعدي أن “المجلس الانتقالي اكتسب احتراماً إقليمياً لأنه كان واضحاً في موقفه من الحوثيين والإرهاب، وقدم نموذجاً أمنياً ناجحاً في عدن والمكلا ولحج، وهو ما لم تستطع الشرعية تحقيقه في مناطقها.”

ويراهن المجلس الانتقالي الجنوبي على وعي الشارع الجنوبي، الذي بات يرى فيه ممثله السياسي الأول، بعد أن خذلته مكونات يمنية عدة. كما يراهن على قدرته الذاتية في توسيع حضوره السياسي دولياً، وتفعيل شراكاته الإقليمية بما يخدم تطلعات الجنوب.

في هذا السياق، قال المحلل التميمي: “التاريخ لا يُصنع في لحظة، بل عبر نضال طويل. والمجلس الانتقالي استطاع في سنوات قليلة أن يحقق ما لم تحققه مكونات سياسية استمرت لعقود. وهذا دليل على أن المشروع الجنوبي يملك مقومات البقاء والتوسع، لا الانكفاء والتلاشي.”

وفي زمن تتعدد فيه الأعداء وتتقاطع فيه المصالح، برز المجلس الانتقالي الجنوبي كحالة استثنائية، ممسكاً بخيوط المعادلة الجنوبية، ومدافعاً عن حق شعبه في تقرير مصيره، وسط محاولات إقصاء وتهميش لم تفلح حتى الآن.