الإثنين, ديسمبر 8, 2025
الصوت الجنوبي | تقرير خاص في أواخر يوليو الماضي، شهدت العملة المحلية في بلادنا تحسنًا ملحوظًا وسريعًا أمام العملات الأجنبية، مثّل بارقة أمل لملايين المواطنين الغارقين في أزمات معيشية واقتصادية خانقة. وفي حضرموت، كبرى محافظات الجنوب، تفاعلت الشوارع والأوساط الشعبية مع هذا التحول الإيجابي بكثير من الترقب والرجاء، بعد أن عانت الأسواق من ارتفاع جنوني..." />
الصوت الجنوبي | تقرير خاص

في أواخر يوليو الماضي، شهدت العملة المحلية في بلادنا تحسنًا ملحوظًا وسريعًا أمام العملات الأجنبية، مثّل بارقة أمل لملايين المواطنين الغارقين في أزمات معيشية واقتصادية خانقة. وفي حضرموت، كبرى محافظات الجنوب، تفاعلت الشوارع والأوساط الشعبية مع هذا التحول الإيجابي بكثير من الترقب والرجاء، بعد أن عانت الأسواق من ارتفاع جنوني للأسعار طوال الشهور الماضية.
التحسن المفاجئ في سعر صرف الريال اليمني، الذي هبط مقابل الريال السعودي من 750 إلى نحو 425 ريالًا في فترة وجيزة، لم يكن مجرد حدث اقتصادي فحسب، بل كان بمثابة اختبار حقيقي للسلطات المحلية ومؤسسات الدولة في مدى قدرتها على ضبط الأسواق والتجاوب مع المتغيرات المالية لصالح المواطن. وعلى الرغم من التوجيهات الرسمية بإلزام التجار بخفض الأسعار، لم تنعكس تلك التغيرات بالشكل المطلوب في الأسواق.
ورغم الانطلاق الفوري لحملات رقابية بقيادة السلطة المحلية والوزارات المعنية، إلا أن المشهد في حضرموت كشف عن خلل واضح في التنفيذ، وتفاوت في الاستجابة بين القطاعات التجارية، ما أثار موجة انتقادات واسعة من النشطاء والصحفيين، الذين وصفوا تلك الحملات بـ”الموسمية والباهتة”، مطالبين برقابة شاملة تشمل الدواء والمشتقات النفطية، وليس فقط المواد الغذائية.
أولى خطوات الحكومة.. قرارات مرتجلة أم استجابة حقيقية؟
عقب التحسن الملحوظ في قيمة العملة، أصدر رئيس مجلس الوزراء سالم بن بريك توجيهًا عاجلًا لوزارة الصناعة والتجارة، يدعو فيه إلى إطلاق حملات ميدانية بالتنسيق مع السلطات المحلية لضبط أسعار السلع الاستهلاكية بما يتناسب مع الواقع الجديد. هذا التوجيه حمل في طيّاته رسالة مباشرة للتجار بضرورة مراجعة أسعارهم وتحمل مسؤولياتهم الوطنية.
رئيس الحكومة شدد على أن استمرار استقرار الصرف ينبغي أن يقابله انخفاض فعلي في الأسعار، في خطوة تهدف لتخفيف العبء عن كاهل المواطنين، مشيرًا إلى أن تحسين الظروف المعيشية مسؤولية تكاملية تتطلب انخراط كافة الجهات، بما في ذلك القطاع الخاص.
في حضرموت، انعكست هذه التوجيهات على شكل حملة ميدانية أُعلن عنها رسميًا في 2 أغسطس، قادها وكيل المحافظة للشؤون المالية والإدارية الدكتور أحمد باصريح، بمعية مدير مكتب الصناعة والتجارة أحمد باعوم. وقد شملت الجولة عددًا من محلات الجملة وشركات التوريد الغذائي في مدينة المكلا.
ورغم أهمية هذه التحركات، إلا أن الأثر الفعلي في الأسواق ظل محدودًا. فالفارق بين سعر الصرف الجديد وأسعار المواد الغذائية لم يكن موازيًا، ما أظهر ضعفًا في آليات التنفيذ، وجعل المواطن يتساءل: هل نحن أمام حملة جدية أم مجرد استجابة شكلية لامتصاص الغضب الشعبي؟
الرقابة على المواد الغذائية.. استجابة محدودة وغضب شعبي
لم يلبث الشارع الحضرمي أن استبشر بتحسن العملة، حتى فوجئ بعدم انعكاس ذلك على أسعار السلع الأساسية. فأسعار الأرز والدقيق والزيت والمعلبات ظلت تراوح مكانها، بل في بعض المناطق ارتفعت بشكل مفاجئ، ما أثار حفيظة المواطنين ودفع بالكثيرين للتعبير عن استيائهم على مواقع التواصل.
الفرق الميدانية التي دشنت حملتها في المكلا، أكدت أنها بدأت نزولات واسعة، وأشارت إلى أنها ستغطي كافة مديريات ساحل حضرموت، مع رفع تقارير دورية للسلطة المحلية حول مستوى الالتزام. لكن واقع الحال كشف أن الحملات لم تشمل سوى عدد محدود من المحلات، وبقيت أسواق كاملة دون رقابة حقيقية.
الانتقادات لم تتوقف عند حدود أداء الفرق الرقابية، بل طالت أسلوب تنفيذ الحملة، حيث رأى صحفيون أن التركيز على المواد الغذائية وحدها يُظهر ضعف التنسيق مع باقي الجهات، ويُغفل قطاعات أكثر تأثيرًا على حياة المواطن، مثل الدواء والنفط والنقل.
في ذات السياق، طالب ناشطون بضرورة نشر قائمة تسعيرية موحدة، وربط الأسعار بسعر صرف رسمي معتمد، إلى جانب اتخاذ إجراءات عقابية علنية بحق المخالفين، وهو ما لم يتحقق بعد، ما جعل الكثيرين يشككون في جدية الحكومة والسلطة المحلية في معالجة الأزمة من جذورها.
الأدوية خارج الرقابة.. والسلطة تتدارك الموقف
بالتزامن مع تصاعد السخط الشعبي، اتجهت الأنظار نحو قطاع الأدوية، الذي ظلّ بعيدًا عن أي رقابة فعلية منذ بداية الأزمة. الأمر استدعى تدخلاً سريعًا من وكيل محافظة حضرموت الدكتور أحمد باصريح، الذي عقد في 3 أغسطس اجتماعًا موسعًا مع مسؤولي الصحة والدواء لمناقشة ضبط أسعار الصيدليات.
الاجتماع خرج بقرارات هامة، أبرزها تكليف فرق ميدانية مشتركة تضم مكتب الصحة، الهيئة العليا للأدوية، والنيابة المختصة، بالنزول إلى مختلف مديريات الساحل. وتم منح أصحاب الصيدليات مهلة يوم واحد فقط لتحديث قوائم الأسعار، مع التأكيد على اتخاذ إجراءات قانونية ضد أي مخالفة.
وبالفعل، انطلقت الحملة الرقابية بعد الاجتماع مباشرة، حيث نفذ الوكيل باصريح وعدد من المسؤولين نزولات ميدانية على محلات الأدوية والمستلزمات الطبية، وسط تأكيدات بأن القطاع الدوائي سيكون خاضعًا لرقابة صارمة خلال الفترة المقبلة.
لكن ورغم كل هذه التحركات، لا تزال بعض الأصوات تشكك في قدرة هذه الحملات على تغيير الواقع ما لم يتم فرض عقوبات فعلية، ونشر تسعيرات موحدة تُلزم بها كافة المنشآت الدوائية، مع إنشاء خطوط ساخنة لتلقي شكاوى المواطنين في حال المخالفات.
البنك المركزي يدخل على الخط.. وتضييق على المضاربين
في محاولة لفرض رقابة أشمل على سوق العملات، أصدر البنك المركزي في عدن تعميمًا صارمًا حدد من خلاله سقف الحوالات الشخصية ومبيعات العملات، بحيث لا تتجاوز خمسة آلاف دولار. كما ألزم البنوك بتقديم وثائق تثبت الغرض من التحويل، ضمن إجراءات تهدف إلى كبح المضاربة وتقنين السوق.
هذه الخطوة جاءت بعد أن شهدت السوق المحلية حالة من الفوضى في عمليات التحويل والبيع، تسببت في ضغوط كبيرة على سعر العملة المحلية. وتهدف الإجراءات الجديدة إلى دعم استقرار الريال، ومنع عمليات التلاعب التي تُستخدم كذريعة من قبل التجار لعدم خفض الأسعار.
البنك المركزي شدد في تعميمه على ضرورة تزويده بتقارير يومية حول العمليات المنفذة، محذرًا من اتخاذ إجراءات صارمة بحق البنوك التي لا تلتزم. ورأى مراقبون أن هذا التعميم خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها بحاجة إلى تنسيق محكم مع وزارة التجارة والسلطة المحلية لضمان عكس أثرها على السوق.
ومع أن هذه الإجراءات تعتبر تقنية في ظاهرها، إلا أن أثرها المباشر على حياة المواطن يتمثل في توفير مناخ اقتصادي أكثر استقرارًا، ما يعني أن نجاحها يعتمد على مدى تفعيل الرقابة على الأسواق والحد من تسعير السلع بحسب صرف السوق السوداء.
الأمن يواكب الاقتصاد.. تحركات ميدانية وإحباط لمخططات الفوضى
في موازاة التحركات الاقتصادية، كثّفت القيادات العسكرية والأمنية في حضرموت من اجتماعاتها ونزولاتها الميدانية، لمواكبة التطورات ومنع أي انفلات محتمل في ظل تغير الأوضاع الاقتصادية. وفي هذا السياق، عقد اللواء الركن طالب سعيد بارجاش، قائد المنطقة العسكرية الثانية، عدة لقاءات مع القيادات الأمنية لمناقشة سبل حماية الأسواق والمرافق العامة.
بارجاش أكد في تصريحاته على ضرورة مرافقة اللجان الرقابية بقوات أمنية لضمان تنفيذ المهام بسلاسة، ومنع أي تدخلات قد تعيق عملها، مشيرًا إلى أن هناك أطرافًا تحاول زعزعة الأمن عبر استغلال هذه المرحلة الحساسة. كما كشف عن معلومات استخباراتية تفيد بوجود عناصر تعمل لصالح ميليشيا الحوثي داخل حضرموت، بهدف نشر الفوضى وضرب استقرار الجنوب.
وفي تأكيد على الجاهزية، التقى قائد المنطقة العسكرية الثانية بقوة التدخل السريع وأشاد بجاهزيتها العالية، مطالبًا بالمزيد من التنسيق بين الأجهزة لحماية المنجزات الأمنية. كما شدد على أهمية دور المواطن في دعم المؤسسة الأمنية من خلال الإبلاغ عن أي تحركات مشبوهة.
وتُعد هذه التحركات الأمنية جزءًا لا يتجزأ من خطة شاملة لحماية بيئة السوق، وتوفير الطمأنينة للتجار والمستهلكين، في ظل موجة الإصلاحات الاقتصادية، التي يرى البعض أنها لا يمكن أن تنجح دون غطاء أمني فعّال يضبط الإيقاع ويحبط أي محاولات لجرّ المحافظة إلى الفوضى.
ديسمبر 8, 2025
ديسمبر 8, 2025
ديسمبر 8, 2025
ديسمبر 8, 2025