الصوت الجنوبي – تقرير خاص

في مطلع الشهر الجاري، قاد المجلس الانتقالي الجنوبي حملة اقتصادية واسعة، نجحت في كبح جماح الانهيار المتسارع للعملة الوطنية، وهو ما اعتبره شعب الجنوب دليلاً على قدرته على تولي مقاليد الحكم في الجنوب.

هذا التدخل، الذي جاء في وقت حرج لامس فيه سعر صرف الدولار الأمريكي حاجز 3000 ريال في عدن ومدن الجنوب، أثار تساؤلات جوهرية حول مستقبل التماسك السياسي اليمني الهش، وقدرة المؤسسات الرسمية على إدارة أزمة اقتصادية خانقة تهدد بدفع الملايين من شعب الجنوب إلى حافة الجوع.

انهيار وشيك واتهامات للرئاسي اليمني

خلال الشهرين الماضيين، شهدت محافظات الجنوب، التي تقع اسمياً تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، حالة من الذعر الاقتصادي. تسارع تدهور قيمة العملة بشكل يومي، مما أدى إلى موجة تضخم جامحة شلت القدرة الشرائية للمواطنين الذين يعتمدون بشكل كبير على السلع المستوردة.

وسط هذا التدهور، تعالت الأصوات الشعبية والسياسية الموجهة باللوم إلى مجلس القيادة الرئاسي، المسؤول في المقام الأول عن المناطق الخاضعة لسيطرته. وجهت اتهامات لمجلس القيادة اليمني بالعجز والتقاعس عن اتخاذ إجراءات فعالة لوقف المضاربات في سوق الصرف وكبح جماح التضخم.

لكن جهود المجلس الانتقالي الجنوبي ممثلا بالرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي رئيس المجلس وعضو مجلس القيادة الرئاسي، ساهمت بشكل ملحوظ في تحسين الملف الاقتصادي.

الصحفي الجنوبي خالد العامري، قال “للصوت الجنوبي”: “كان الوضع أشبه بسقوط حر. الأسعار في المتاجر كانت تتغير بين الصباح والمساء. أصبح الحصول على المواد الأساسية مثل الدقيق والأرز والزيت تحدياً يومياً للأسر. ساد شعور عام بأن المؤسسات الرسمية قد تخلت عن المواطنين وتركتهم فريسة للمضاربين والجشع التجاري”.

كما أرجع محللون اقتصاديون الأزمة إلى مجموعة من العوامل المتشابكة، منها توقف صادرات النفط جراء هجمات الحوثيين على موانئ التصدير، وتناقص احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي، بالإضافة إلى استمرار الانقسام المالي والنقدي بين عدن وصنعاء، حيث يدير الحوثيون بنكاً مركزياً موازياً.

لكن بالنسبة للعديد من المراقبين في الجنوب، كان السبب الأبرز هو ما وصفوه بـ”الفشل الإداري والفساد المستشري” داخل أجهزة الحكومة. يقول الكاتب السياسي صالح المعاري: “الأزمة لم تكن مجرد نتاج للظروف الموضوعية للحرب. كانت هناك أطراف داخل هيكل الشرعية تستفيد من فوضى العملة وتستخدم الحرب الاقتصادية كأداة للضغط السياسي، خاصة ضد المجلس الانتقالي وشعبيته في الجنوب”.

ويضيف المعاري: “مجلس القيادة الرئاسي، الذي كان من المفترض أن يكون هيئة توافقية، تحول إلى ساحة لصراع إرادات. هناك فشل واضح في السيطرة على الإيرادات السيادية للدولة وتوريدها بشكل مركزي، مما سمح بوجود جيوب فساد وشبكات مصالح تعمل خارج إطار الدولة وتساهم في إضعاف العملة الوطنية”.

تحرك جنوبي يعيد رسم المعادلة

أمام ما اعتبره فراغاً قيادياً، قرر المجلس الانتقالي الجنوبي، بقيادة الرئيس عيدروس الزُبيدي، التحرك بشكل مباشر. وفي أواخر يوليو الماضي، أصدر الرئيس الزُبيدي توجيهات للجنة الاقتصادية العليا والأجهزة الأمنية بالتدخل الفوري.

خلال أيام، انتشرت بجهود حثيثة من الرئيس الزبيدي حملات واسعة طالت العشرات من الصرافين الذين اتهموا بـ”المضاربة والتلاعب بأسعار الصرف”، كما تم إغلاق عدد كبير من شركات ومنشآت الصرافة غير المرخصة أو المخالفة لتعليمات البنك المركزي.

النتائج الأولية للتدخل كانت سريعة وملموسة. شهد سعر صرف الدولار انخفاضاً ملحوظاً من قرابة 3000 ريال إلى نحو 1600 ريال في غضون أسبوع، ليستقر لاحقاً عند مستويات أقل، مما أدى إلى انخفاض كبير في أسعار معظم السلع الأساسية وأعاد بعض الهدوء إلى الأسواق.

يقول الصحفي خالد العامري: “لأول مرة منذ أشهر، شعر الناس أن هناك قوة على الأرض قادرة على فرض القانون. إن رؤية كبار المضاربين وهم يُقتادون للتحقيق كانت بمثابة رسالة طمأنة للمواطن البسيط بأن الفوضى لن تستمر”.

نجاح اقتصادي

حظيت جهود المجلس الانتقالي الجنوبي ورئيسه اللواء عيدروس بن قاسم الزبيدي بإشادات واسعة، حيث اعتبر الجنوبيون أن هذا التحرك يثبت أن المجلس الانتقالي هو الكيان الوحيد الجاد والمنظم القادر على حماية مصالح شعب الجنوب، وأنه يمارس دور “الدولة الفعلية” في ظل غياب وعجز المؤسسات الرسمية.

ويؤكد الكاتب السياسي المعاري أن “المجلس الانتقالي مارس صلاحياته ومسؤولياته كقوة مهيمنة على الأرض. عندما تفشل الحكومة في توفير أبسط متطلبات الحياة لمواطنيها، يصبح من واجب القوة السياسية والعسكرية الأبرز التدخل لملء الفراغ. هذا الإنجاز يعزز من شرعية الانتقالي ومشروعه السياسي لاستعادة دولة الجنوب”.

وتأتي هذه الأزمة لتكشف مرة أخرى عن الطبيعة المعقدة لمجلس القيادة الرئاسي الذي فشل بالفعل في إدارة البلاد، فضلا عن مواجهة الحوثيين.

وبنجاحه في هذه المعركة الاقتصادية، يكون المجلس الانتقالي قد سجل نقطة سياسية لصالحه ولشعبه، مقدماً نفسه للداخل والخارج كشريك أكثر فعالية وجدارة بالثقة في إدارة المناطق المحررة واستعادة دولته.