الصوت الجنوبي _ تقرير خـاص

شهدت محافظة حضرموت وبقية محافظات الجنوب، أواخر يوليو الماضي، تحسنًا سريعًا وملحوظًا في قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، في خطوة اعتبرها كثيرون بارقة أمل لاستعادة الاستقرار الاقتصادي وتحسين الحياة المعيشية للمواطنين. هذا التحسن، وإن كان لا يزال في بداياته، مثّل اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة السلطات على استثمار الظروف الإيجابية وتحويلها إلى واقع يلمسه الناس في أسعار السلع والخدمات.

ومع تحسن سعر الصرف، شرعت الحكومة والسلطات المحلية في اتخاذ حزمة من القرارات التنظيمية تهدف إلى تثبيت هذا المكسب الاقتصادي، من أبرزها قرار حظر التعامل بالعملات الأجنبية في المعاملات التجارية والخدمية، وإلزام الجهات المعنية بتطبيقه بحزم، وهو ما لقي ترحيبًا من قبل الخبراء والناشطين، باعتباره خطوة في الاتجاه الصحيح لاستعادة هيبة الدولة وتعزيز السيادة النقدية.

غير أن التحدي الأبرز يكمن في سرعة وفاعلية تنفيذ هذه القرارات على الأرض، وسط تخوفات من أن تتحول إلى مجرد حبر على ورق إذا غابت الرقابة الصارمة أو تغلّبت المصالح الضيقة. وفي ظل هذا المشهد، تبرز حضرموت كنموذج لاختبار جدية التنفيذ، لما تمثله من ثقل اقتصادي واستراتيجي في الخارطة الوطنية.

قرار حظر التعامل بالعملات الأجنبية: خطوة لتعزيز السيادة النقدية

أصدر مجلس الوزراء، أواخر يوليو الماضي، قراره رقم (13) لسنة 2025م، القاضي بحظر استخدام العملات الأجنبية كبديل عن العملة المحلية في كافة المعاملات التجارية والخدمية والتعاقدات المالية، في جميع المناطق والمحافظات المحررة. القرار نص بوضوح على إلزام جميع المتعاملين بالبيع والشراء، سواء في السلع أو الخدمات، باستخدام الريال اليمني، مع منع قبول العملات الأجنبية في مجالات لا تتطلب الدفع بها، مثل الإيجارات، الرسوم الدراسية، التذاكر، والمعاملات الداخلية.

كما حمّل القرار وزارات الصناعة والتجارة، والعدل، والداخلية، ومحافظي المحافظات، مسؤولية المتابعة والرقابة على التنفيذ، وضبط المخالفين وإحالتهم للجهات القضائية، في إطار خطة حكومية شاملة لإعادة الانضباط إلى السوق ومنع المضاربات. هذه الخطوة، برأي مراقبين، تمثل رسالة سياسية واقتصادية مفادها أن الحكومة عازمة على استعادة زمام المبادرة في إدارة شؤونها النقدية.

في حضرموت، سارع المحافظ مبخوت بن ماضي إلى إصدار توجيهات عاجلة لتفعيل القرار، وكلف لجنة برئاسة وكيل المحافظة للشؤون المالية والإدارية، الدكتور أحمد باصريح، ببدء المراقبة الفورية في جميع المديريات. وشدد المحافظ على إحالة أي مخالفين إلى الجهات الأمنية والقضائية، مؤكدًا أن الالتزام بالعملة الوطنية هو الأساس لتحقيق استقرار الأسواق وتخفيف الأعباء المعيشية.

وقد لقي القرار ترحيبًا من خبراء، منهم الخبير المالي شاكر اليافعي، الذي اعتبره “خطوة قوية لاستعادة هيبة الدولة”، مؤكدًا أن نجاحه مرهون باستمرارية المتابعة ورفده بإجراءات أخرى تعزز من تحسن العملة المحلية.

إجراءات حكومية مكملة: ضبط الحسابات المالية وتوجيه الإيرادات

لم يقتصر الأمر على قرار حظر العملات الأجنبية، بل تبعته سلسلة من الإجراءات الحكومية الهادفة إلى إحكام الرقابة على المال العام. وزير المالية سالم بن بريك وجه خطابات رسمية إلى محافظ البنك المركزي ورؤساء البنوك الحكومية الكبرى، طالبهم فيها بإغلاق جميع الحسابات الحكومية المفتوحة في البنوك التجارية وشركات الصرافة، ونقل أرصدتها إلى البنك المركزي اليمني في عدن.

هذا الإجراء، بحسب الوزير، يستند إلى القوانين المالية النافذة ويهدف إلى وقف التجاوزات التي تسمح بتسرب الإيرادات خارج الإطار الرسمي، ما يضعف قدرة الدولة على التحكم في مواردها. كما شدد على منع فتح أي حسابات جديدة خارج البنك المركزي، ملوحًا باتخاذ عقوبات صارمة ضد المخالفين.

ورغم وضوح هذه التوجيهات، إلا أن التنفيذ الفعلي على الأرض بدا بطيئًا، وهو ما أثار تساؤلات بين المراقبين حول أسباب التأخير ومدى جدية السلطات النقدية في إحكام قبضتها على النظام المالي. اللجنة العليا للإيرادات السيادية والمحلية، برئاسة الرئيس عيدروس الزبيدي، تابعت الملف في اجتماعها الدوري، وناقشت تقارير البنك المركزي حول الحسابات المستهدفة بالإغلاق، إلى جانب ملفات أخرى كإجراءات تكرير النفط وتأمين العملة الصعبة لاستيراد السلع الأساسية.

التقارير الصادرة عن الاجتماع أشارت إلى ضرورة التنسيق بين الحكومة والبنك المركزي، وتوريد الفائض من أرباح المؤسسات العامة إلى الخزينة المركزية، بما يعزز القدرة على تمويل الرواتب والمشاريع الخدمية.

انعكاسات اقتصادية على الخدمات والتعليم

بدأت بوادر تحسن العملة تنعكس على بعض القطاعات الخدمية، وفي مقدمتها التعليم. ففي ساحل حضرموت، أصدر مكتب التربية والتعليم تعميمًا يلزم المدارس الأهلية والخاصة بتخفيض الرسوم الدراسية بنسبة 30% لجميع المراحل الدراسية، مع إرجاع الفارق لأولياء الأمور الذين سددوا الرسوم بالسعر القديم.

الخطوة حظيت بإشادة واسعة، ومنهم نائب رئيس تنفيذية انتقالي حضرموت، علي الجفري، الذي وصف القرار بـ”الشجاع” ودعا إلى رصد المدارس المخالفة وإجبارها على الالتزام. كما رحب الصحفي عبيد واكد بهذه الاستجابة السريعة، معتبرًا أنها تعكس حسًا وطنيًا واستجابة لمطالب المواطنين.

هذا القرار، رغم أهميته، يفتح النقاش حول إمكانية تعميم التجربة على قطاعات خدمية أخرى تأثرت بارتفاع سعر الصرف سابقًا، مثل الصحة والمواصلات. ويرى محللون أن التزام المؤسسات الخاصة بتخفيض الأسعار يظل رهينًا بصرامة الرقابة، خصوصًا في بيئة اقتصادية ما زالت تعاني من مظاهر الاحتكار والجشع.

التجربة في قطاع التعليم قد تكون مؤشرًا على إمكانية توسيع دائرة الفوائد المباشرة لتحسن العملة، إذا ما تم تعزيز ثقافة الالتزام بالقوانين لدى القطاع الخاص، ودعم دور الجهات الرقابية في متابعة التنفيذ.

ملف الغاز المنزلي: بين تكلفة النقل وجبايات السلطات المحلية

في سياق تفاعل الشارع مع تحسن العملة، برزت تساؤلات حول أسعار الغاز المنزلي، وهو مادة محلية الإنتاج يفترض أن تكون أقل تأثرًا بسعر الصرف. الشركة اليمنية للغاز أصدرت بيانًا توضح فيه أن السعر لا تحدده قيمة العملة الأجنبية، وإنما يرتبط بقرارات حكومية وتكاليف تشغيلية، أبرزها أجور النقل والجبايات التي تفرضها بعض السلطات المحلية.

البيان أوضح أن الشركة خفّضت مؤخرًا سعر الأسطوانة بمقدار 100 ريال، نتيجة تقليص أجور النقل للمقطورات بعد تحسن سعر الصرف. كما أكدت استعدادها لمزيد من التخفيض في حال أُلغيت الجبايات الإضافية المفروضة في بعض المسارات.

هذا التوضيح لم ينهِ الجدل، إذ يرى مواطنون أن التخفيض محدود ولا يواكب التحسن الكبير في سعر العملة، بينما يطالب آخرون بإصلاح شامل لمنظومة التوزيع لضمان وصول الفائدة إلى المستهلك النهائي.

ويرى مراقبون أن قضية الغاز تمثل مثالًا على التحديات التي تواجه ترجمة التحسن النقدي إلى أثر مباشر في معيشة المواطنين، ما لم يتم التعامل مع كامل سلسلة التوريد، من الإنتاج إلى النقل والتوزيع.

توقعات مستقبلية: منح خارجية ودعم للإصلاحات

على الصعيد الاستراتيجي، كشف الصحفي الاقتصادي ماجد الداعري عن قرب حصول الحكومة على منحة نفطية سعودية–إماراتية بقيمة 900 مليون دولار، لدعم الإصلاحات الاقتصادية وتثبيت استقرار سعر الصرف. هذه المنحة، إذا ما تأكدت، ستشكل دفعة قوية لمسار الإصلاحات، خاصة مع تحسن المؤشرات النقدية لأول مرة منذ سنوات.

المصادر الحكومية أشارت إلى أن هذه الخطوة جاءت بالتزامن مع جولة خارجية لمحافظ البنك المركزي، أحمد غالب المعبقي، بهدف جلب الدعم وتعزيز الثقة بالسياسات النقدية الجديدة، التي نجحت مؤخرًا في كبح المضاربات وضبط السوق المصرفي.

ومع ذلك، يحذر خبراء من أن الاعتماد على المنح الخارجية دون استكمال الإصلاحات الهيكلية قد يجعل التحسن الحالي مؤقتًا. فالمطلوب، بحسب هؤلاء، هو بناء اقتصاد إنتاجي قادر على توليد العملة الصعبة من خلال الصادرات، لا الاقتصار على المساعدات والمنح.

ويبقى السؤال المطروح: هل تنجح الحكومة والسلطات المحلية في استثمار هذه المرحلة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي، أم أن الفرصة ستضيع كما حدث في مرات سابقة؟