الاحتجاجات الشعبية في حضرموت تكشف أكاذيب “الهضبة” – (تقرير خاص للصوت الجنوبي)

الصوت الجنوبي – تقرير خاص
شهدت مدن ومناطق متعددة في محافظة حضرموت الجنوبية، خلال الأسابيع الماضية، احتجاجات شعبية غاضبة إثر انقطاع التيار الكهربائي بشكل شبه تام عن السكان.

هذه الأزمة كشفت عن تصعيد جديد يقوده ما يُعرف بـ”حلف قبائل حضرموت” بقيادة عمرو بن حبريش الذي اتهمه قياديون بارزون بالتفرد بالقرار والاساءة للنخبة الحضرمية ودول التحالف العربي، ضد أبناء المحافظة، وسط اتهامات مباشرة له بعرقلة وصول الوقود المخصص لمحطات الكهرباء، وتحويل معاناة الناس إلى ورقة ضغط سياسي.

وخرج المئات من المواطنين في مدن الساحل والوادي في تظاهرات غاضبة، رددوا فيها شعارات منددة بتردي الخدمات، وعلى رأسها الكهرباء، التي غابت تمامًا في درجات حرارة تجاوزت الـ45 درجة مئوية فضلا عن مطالبات بإخراج القوات الشمالية من مناطق وادي حضرموت.

كما أغلق المحتجون عدداً من الشوارع الرئيسة وأشعلوا إطارات السيارات، تعبيراً عن غضبهم من تدهور الأوضاع في المحافظة الغنية بالنفط.

لكن اللافت في هذه الأزمة، أن المعلومات الأولية، بحسب مصادر محلية متطابقة، أظهرت أن السبب الرئيسي للانهيار الكهربائي لم يكن فنياً أو مرتبطاً بشح الوقود، بل يعود إلى إجراءات متعمدة قادها بن حبريش لمنع دخول قاطرات الوقود من أجل إبراز نفسه على حساب معاناة السكان.

وقال مراقبون إن ما حدث يرقى إلى “عقاب جماعي لأبناء حضرموت” لأسباب سياسية، مشيرين إلى أن “حلف القبائل”، الذي كان يفترض به أن يمثل صوت حضرموت، تحول إلى أداة ابتزاز للسلطة والتحالف والمواطنين على حد سواء.

وقال المراقب السياسي الجنوبي سالم المحمدي، “للصوت الجنوبي” إن ما جرى في حضرموت “هو عمل سياسي موجه لإرباك المشهد، واستخدام حاجة الناس للكهرباء كورقة ضغط لتحقيق مكاسب لفصيل سياسي فشل في كسب ثقة الشارع”.

وأضاف: “منع دخول الوقود إلى المحطات الكهربائية في ذلك التوقيت الحرج، بينما يعاني الناس من الحر، هو تصرف لا يمكن وصفه إلا بالإجرامي. من يزعم تمثيل القبائل لا يمكن أن يعاقب أهله بهذه الطريقة”.

وأشار المحمدي إلى أن “الاهتمام الذي يوليه المجلس الانتقالي الجنوبي لأبناء حضرموت وشعب الجنوب وتحرك قياداته لتخفيف معاناتنا في حضرموت، كشف زيف الشعارات التي يرفعها بن حبريش ومَن معه”، مضيفاً أن “الانتقالي، رغم كونه جزءاً من السلطة، لم يتعامل بعقلية الفرض بل تبنّى مطالب الناس بوضوح”.

المأساة في أرقام وصور

مع اشتداد حرارة الصيف والمعاناة، انقطعت الكهرباء لأكثر من ثلاثة أيام متتالية عن مناطق الساحل، ما أدى إلى توقف تام للأنشطة اليومية، وتعطل مظاهر الحياة على إثر ذلك.

وتحدث الصحفي الحضرمي، سالمين باقي، عن الأزمة بقوله: “لم تشهد محافظة حضرموت مثل هذا الظلام من قبل، حتى في أوج الحرب. كان الناس يصبرون حين يقال لهم إن الوقود لم يصل أو إن المحطة معطلة، لكن أن تُمنع القاطرات من الدخول بينما الوقود متوفر؟ هذه خيانة”.

وأضاف “للصوت الجنوبي”: “بن حبريش لم يعد يمثل أحدًا، لا القبائل ولا الناس. من يمنع الكهرباء عن الأطفال والمرضى لا يملك شرعية أخلاقية، مهما رفع من شعارات. لقد فضحته هذه الأزمة أمام الجميع”.

وأشار باقي إلى أن الاحتجاجات لم تكن فقط ضد انقطاع الكهرباء، بل تحولت تدريجياً إلى رفض شعبي لبقاء هذه القوى التقليدية التي تعيش على معاناة الناس، مؤكدًا أن “المجتمع الحضرمي أصبح أكثر وعيًا، وأقرب إلى المطالبة بإدارة حضرمية حقيقية لا تركع لمصالح ضيقة”.

ونتيجة لذلك، تحرك المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يملك نفوذاً متزايدًا في محافظات الجنوب، سريعًا للتجاوب مع صرخات أبناء حضرموت، حيث أصدرت قياداته في المحافظة بيانات حذرت من “تسييس الخدمات”، وأكدت أن “أمن المواطنين وكرامتهم وحاجاتهم الأساسية خط أحمر”.

أكاذيب “حلف القبائل”

برز اسم عمرو بن حبريش، رئيس حلف قبائل حضرموت، كأحد أبرز المسؤولين عن الأزمة، لا سيما في خضم محاولته الرامية إلى الضغط على الحكومة لتنفيذ مطالب تتعلق بتوسيع نفوذ الحلف.

ورغم نفي الحلف ضلوعه في هذه الأزمة، إلا أن الصور التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تطهر قاطرات متوقفة عند نقاط تابعة للحلف، فضحت المزاعم.

وقال ناشطون إن بيان الحلف بتضخيم الأزمة، كان محاولة للهروب من المسؤولية، خاصة مع تصاعد حالة السخط الشعبي في الوادي.

بالإضافة إلى ذلك، هدد المحتجون بتوسيع رقعة التظاهر إذا لم يتم اتخاذ خطوات واضحة تضمن استقرار حياتهم وإخراج القوات الشمالية من متاطق الوادي، مشيرين إلى أن “المجاملات والأكاذيب لم تعد تنفع، ومَن يعرقل حياة الناس يجب أن يُحاسب”.

وحتى اللحظة، لم تصدر الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بيانًا رسميًا واضحًا يوضح ملابسات الأزمة أو يحدد المسؤول عن عرقلة دخول الوقود. ويقول مراقبون إن “السكوت” الرسمي يعكس حالة الشلل التي تعيشها الحكومة، التي تجد نفسها عاجزة عن مواجهة القوى القبلية المسيطرة على مفاصل المحافظات.

وفي هذا الصدد، قال المحمدي: “إذا لم تستطع الحكومة فرض القانون في حضرموت، فعليها أن تعترف بفشلها، وتفسح المجال لجهات قادرة على إنقاذ الناس، والمجلس الانتقالي الجنوبي، أظهر في هذه الأزمة أنه الأقرب للناس والأكثر استعدادًا للتحرك”.

وفي كل الأحوال، يمكن القول إن الاحتجاجات أكدت أن أبناء حضرموت لم يعودوا مستعدين للسكوت، وأن زمن المتاجرة باسم “القبيلة” أو “الوجاهة” قد ولى.

وفيما يتجه المشهد نحو مزيد من التوتر، تظل أنظار المواطنين معلقة على خطوات قادمة من المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي بات يُنظر إليه باعتباره الطرف الأكثر تأثيرًا في الجنوب، والقادر على كسر “عقدة حضرموت”، وتحريرها من سطوة الحلفاء القدامى الذين فشلوا في أبسط اختبار: الكهرباء.