الصوت الجنوبي – تقرير خاص
تشهد محافظة شبوة، الجنوبية، تزايدًا ملحوظًا في أعداد المهاجرين غير النظاميين القادمين من دول القرن الإفريقي، وعلى رأسها إثيوبيا.

وبالرغم من الصعوبات الأمنية والتحديات اللوجستية، لا تزال شبوة تمثّل إحدى أبرز نقاط العبور، إن لم تكن المفضّلة، لهؤلاء المهاجرين.

ويتجاوز هذا الحراك البشري كونه مجرد تحرك للهاربين من الفقر أو النزاعات، بل يعكس في جزء منه تحولات جيوسياسية وأمنية على الأرض، خصوصًا في ظل تنامي دور المجلس الانتقالي الجنوبي وجهوده في تعزيز الاستقرار الأمني والإداري في المحافظة.

منفذ بحري وبيئة مرنة

تشكل شبوة بوابة بحرية وبرية في آنٍ واحد، حيث تمتد سواحلها على بحر العرب بطول يزيد عن 300 كلم، ما يجعلها نقطة إنزال مناسبة لقوارب التهريب القادمة من القرن الإفريقي. وتعتبر مناطق مثل بلحاف، ورضوم، وعين بامعبد من أبرز المواقع التي ترسو فيها قوارب التهريب، لا سيما في ظل ضعف الرقابة البحرية على بعض القطاعات الساحلية.

لكنّ المهاجرين لا يختارون شبوة فقط بسبب موقعها الجغرافي، بل أيضًا لما توفره من بيئة شبه مستقرة مقارنة بمناطق شمالية خاضعة لسلطات الحوثيين، أو مناطق تشهد انفلاتاً أمنياً. وفي هذا السياق، يعزى هذا الاستقرار النسبي إلى الجهود الأمنية التي تبذلها القوات الجنوبية، وخصوصًا قوات دفاع شبوة بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي.

قوات جنوبية في مواجهة التهريب

تتوزع وحدات من قوات دفاع شبوة على الطرق الرئيسية والسواحل لملاحقة مهربي البشر وضبط المهاجرين غير الشرعيين، وقد شهدت المحافظة خلال النصف الأول من عام 2025 عدة حملات أمنية ناجحة أسفرت عن تفكيك شبكات تهريب وتوقيف قوارب محملة بمهاجرين.

وقال الصحفي الجنوبي محمد العولقي، في تصريح خاص لـ”الصوت الجنوبي”: “نجحت شبوة خلال العامين الماضيين في التحول إلى نموذج أمني نسبي، والفضل في ذلك يعود للتواجد القوي لقوات دفاع شبوة والدعم المتزايد من المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي ينظر إلى ملف الهجرة غير النظامية باعتباره قضية أمن قومي”.

وأضاف العولقي: “لو كانت المحافظة واقعة تحت إدارة غير منضبطة، لكانت تحولت إلى ممر فوضوي ينقل الآلاف من المهاجرين يومياً، ما يهدد بتغيير ديمغرافي خطير ويفتح الباب أمام تسلل عناصر متطرفة أو مجرمين دوليين”.

ممر مؤقت أم استقرار دائم؟

رغم أن الغالبية الساحقة من المهاجرين الأفارقة تعتبر شبوة نقطة عبور في طريقهم نحو مناطق أخرى، إلا أن عدداً منهم يضطر للبقاء مؤقتاً في المحافظة بسبب نفاد الأموال، أو الحصار الأمني، أو فشل محاولات العبور إلى السعودية عبر مأرب أو البيضاء أو حضرموت.

وبشأن هذا الجانب، أشار الصحفي الجنوبي نادر السليماني في حديثه لـ”الصوت الجنوبي” إلى أن بعض هؤلاء المهاجرين بدأوا يشكّلون مجتمعات صغيرة، قائلاً: “في بعض مناطق شبوة، بدأنا نلحظ تشكّل تجمعات مهاجرين عالقة، ومعظمهم من الشباب الذكور، يعيشون في أوضاع إنسانية مزرية”.

وأضاف السليماني: “المجلس الانتقالي الجنوبي يواجه هذا التحدي بمسؤولية واضحة، ويسعى لتجفيف منابع التهريب، رغم غياب دعم حقيقي من الحكومة اليمنية أو المنظمات الدولية”.

تحديات إنسانية متزايدة

يمثّل التوافد المستمر للمهاجرين تحديًا إنسانيًا لا يقل خطورة عن البُعد الأمني. حيث يفتقر هؤلاء المهاجرون إلى المأوى، والرعاية الصحية، والمياه النظيفة، والغذاء، فضلا عن مهاطر نقل الأوبئة والأمراض للسكان المحليين.

وتفيد تقارير محلية بأن عدداً من المهاجرين فقدوا حياتهم أثناء محاولات العبور أو بسبب ظروف العيش القاسية.

وفي هذا السياق، يقول السليماني: “تحاول السلطات تقديم المساعدة الإنسانية قدر المستطاع، لكن الإمكانيات محدودة، وهناك حالة تجاهل دولي لمعاناة هؤلاء، وكأنهم غير مرئيين”.

ومع غياب المراكز الرسمية لاستقبال أو إعادة ترحيل المهاجرين، تتزايد الضغوط على السلطات المحلية في شبوة التي تجد نفسها أمام مأزق مزدوج: إنساني وأمني، خصوصًا في ظل محدودية الموارد والدعم الخارجي.

تهديدات محتملة ومخاوف مستقبلية

في ظل تضاعف أعداد المهاجرين سنويًا، تبرز مخاوف من أن يتحول وجودهم إلى أزمة ديموغرافية أو أن يتم استغلال بعضهم من قبل شبكات تهريب المخدرات أو الجماعات الإرهابية. كما أن تركيزهم في مناطق معينة يهدد النسيج الاجتماعي الهش في بعض مديريات شبوة.

ورغم أن غالبية هؤلاء المهاجرين لا يشكلون تهديدًا مباشرًا، إلا أن هشاشة وضعهم وغياب الرقابة المنظمة يفتح الباب أمام استغلالهم في أنشطة غير مشروعة، سواء بالإكراه أو الطمع.

وتعليقًا على هذه النقطة، قال الصحفي العولقي: “بعض الجماعات المسلحة تنشط في استقطاب المهاجرين مقابل مبالغ زهيدة أو وعود كاذبة، ما يهدد بتدويل أزمة الهجرة عبر شبوة”.

جهود المجلس الانتقالي

يُحسب للمجلس الانتقالي الجنوبي تعامله مع ملف المهاجرين الأفارقة بواقعية وشفافية. فقد سعى من خلال قواته الأمنية إلى ضبط المهاجرين، وتفكيك شبكات التهريب، وتنظيم تدفقهم بما لا يهدد أمن الجنوب أو استقراره.

كما كثّف المجلس جهوده الدبلوماسية من خلال التواصل مع منظمات دولية معنية بالهجرة واللاجئين، في محاولة لحشد دعم لوجستي وإنساني لهذه القضية الشائكة.

ويرى مراقبون جنوبيون أن محافظة شبوة لا تستطيع وحدها مواجهة موجات الهجرة غير النظامية دون استراتيجية وطنية أو إقليمية شاملة. فبينما يسهم الاستقرار النسبي الذي وفّره المجلس الانتقالي في ضبط الأوضاع، إلا أن المشكلة أكبر من أن تُحلّ أمنيًا فقط.

كما أن استمرار توافد المهاجرين سيُثقل كاهل البنية التحتية المحدودة أصلًا، وقد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية واقتصادية ما لم يتم تدارك الأمر من الجهات الدولية والمحلية المختصة.

وبينما يطرح البعض حلولًا مثل إنشاء مراكز استقبال مؤقتة، أو تعزيز دور المنظمات الأممية في الجنوب، تبقى شبوة اليوم في الخطوط الأمامية لمواجهة واحدة من أكثر القضايا الإنسانية تعقيدًا في المنطقة.