الرئيس الزُبيدي يقلب الطاولة على أعداء الجنوب – (تقرير خاص للصوت الجنوبي)

الصوت الجنوبي – تقرير خاص

تشهد مدن الجنوب حالة متصاعدة من الغليان الشعبي، يغذيها التدهور المعيشي والانهيار الاقتصادي والخدمي، في وقت تتجه فيه الأنظار نحو المجلس الانتقالي الجنوبي ورئيسه عيدروس قاسم الزُبيدي، بوصفه القوة السياسية والعسكرية القادرة على اتخاذ خطوات مصيرية، بعد أن أثبت مجلس القيادة الرئاسي فشله في إدارة شؤون البلاد منذ أكثر من ثلاث سنوات على تشكيله.

إلى جانب هذا الواقع المأزوم، جاءت قرارات الزُبيدي الأخيرة، التي شملت 14 تعييناً في وزارات وهيئات حكومية، لتفتح الباب أمام نقاش واسع حول مستقبل العلاقة داخل مجلس القيادة الرئاسي، ولتضع الإدارة الذاتية مجدداً كخيار مطروح بقوة لإنقاذ الجنوب.

انهيار اقتصادي وخدمي

منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022، تتفاقم معاناة المواطنين في العاصمة عدن وبقية المحافظات الجنوبية. فالتيار الكهربائي ينقطع لساعات طويلة قد تتجاوز العشرين ساعة يومياً، في ظل حرارة خانقة، بينما الخدمات الصحية والتعليمية تعاني من انهيار شبه تام.

إلى جانب ذلك، تراجعت قيمة العملة المحلية إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة، وتوقفت رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين لشهور متواصلة، ما دفع ملايين السكان إلى حافة الفقر المدقع. هذه الأوضاع لم تعد بالنسبة للشارع الجنوبي مجرد أزمات عابرة، بل انعكاس مباشر لفشل مؤسسات الدولة وغياب الإرادة السياسية لدى قيادة المجلس الرئاسي.

المحلل السياسي الجنوبي صلاح محمود يقول في حديثه لـ”الصوت الجنوبي”: “لقد راهن الجنوبيون على اتفاق الرياض ومخرجاته، لكن الرهان خسر. المجلس الرئاسي الذي تشكل كتسوية سياسية فشل في تحقيق الحد الأدنى من مهامه. الفساد المستشري وغياب الإرادة لدى بعض المكونات جعلا هذا المجلس عاجزاً عن الوفاء بأبسط التزاماته.”

ويضيف: “المسؤولية تقع مباشرة على رئاسة المجلس، التي لم تستطع توفير الخدمات الأساسية أو إدارة الموارد بكفاءة. في المقابل، يرى الشارع أن المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي نجحت قواته في تأمين الأرض ومحاربة الإرهاب، هو الوحيد القادر على إدارة المرحلة بكفاءة لو مُنح الصلاحيات الكاملة.”

خطوة الزُبيدي غير المسبوقة

في العاشر من سبتمبر، أصدر الرئيس الزُبيدي حزمة قرارات هي الأوسع منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي. شملت هذه القرارات تعيينات في وزارات الإعلام والصناعة والتجارة والسياحة، ورئاسة الهيئة العامة للأراضي، إضافة إلى وكلاء محافظين في الضالع ولحج وشبوة وأبين وسقطرى والمهرة. كما طالت التغييرات قطاع النفط، حيث عُيّن نائبان للمدير التنفيذي لشركة النفط للشؤون التجارية والمالية.

هذه الخطوة مثّلت تحوّلاً نوعياً في آلية ممارسة السلطة داخل المجلس، إذ جرت العادة أن تصدر مثل هذه القرارات حصراً باسم رئيس المجلس رشاد العليمي. لكن الزُبيدي اختار هذه المرة أن يفعّل صلاحياته بشكل مباشر، في رسالة قوية بأن الجنوب لن يقبل بعد اليوم دور “الشريك الصامت”.

القرارات رافقها بيان سياسي شديد اللهجة، أكد فيه المجلس الانتقالي أن “الأرض أرض شعب الجنوب، والقرار قراره”. البيان اتهم أطرافاً داخل السلطة بمحاولة تهميش الجنوب وعرقلة صرف رواتب الموظفين وتعطيل تنفيذ اتفاق الرياض ومشاورات الرياض.

المراقبون رأوا في هذه الخطوة انتقالاً للانتقالي إلى مرحلة أكثر وضوحاً في مواجهة شركائه، بعد اتهامات متكررة للعليمي بالانفراد بالقرار السياسي وإقصاء ممثلي الجنوب.

الصحفي الجنوبي سالم اليافعي قال لـ”الصوت الجنوبي”: “هذه القرارات غير المسبوقة من الرئيس الزُبيدي تعكس حجم الضغط الشعبي. الناس فقدوا ثقتهم بالحكومة والرئاسي. السؤال المتداول اليوم في عدن وحضرموت وشبوة: هل حان وقت إعلان الإدارة الذاتية مجدداً؟”

إرث الإدارة الذاتية وتجربة 2020

تجربة الإدارة الذاتية التي أعلنها الانتقالي في أبريل 2020، رغم أنها لم تستمر طويلاً، أثبتت أن المجلس قادر على إدارة الموارد والمؤسسات بفاعلية أفضل من الحكومة. خلال تلك الفترة، سيطر الانتقالي على بعض الموانئ والمؤسسات الإيرادية، ما ساعد في تحسين الوضع الأمني وتوفير بعض الخدمات.

اليوم، يرى مؤيدو المجلس أن الظروف الراهنة أسوأ بكثير من تلك المرحلة، وأن الإدارة الذاتية لم تعد خياراً تكتيكياً، بل “ضرورة وجودية” لإنقاذ الجنوب من الانهيار.

يقول الصحفي اليافعي: “خلال الإدارة الذاتية السابقة لمس الناس تحسناً ولو نسبياً في إدارة الموارد. هذا يعطي مؤشراً واضحاً على ما يمكن أن يحققه الانتقالي إذا مُنح صلاحيات كاملة.”

مأزق الرئاسي وإفلاس الحكومة

على الرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، لا يزال المجلس بلا لائحة تنفيذية تحدد مهامه وصلاحياته. ناصر الخبجي، رئيس وحدة شؤون المفاوضات بالانتقالي، كان قد حذر في منتدى اليمن الدولي في عمّان (فبراير 2025) من أن المجلس يفتقر إلى رؤية واضحة للتعامل مع الحوثيين سياسياً أو عسكرياً أو اقتصادياً.

في الوقت ذاته، تواصلت الاحتجاجات في حضرموت والضالع وعدن ضد الفساد وسوء الإدارة. هذه الاحتجاجات لم تعد مقتصرة على ناشطين، بل امتدت إلى شرائح واسعة من المجتمع، ما يعكس عمق الأزمة وانعدام الثقة بالحكومة.

أنيس الشرفي، رئيس الهيئة السياسية للانتقالي، ذهب أبعد من ذلك حين هدد في لقاء تلفزيوني بإعلان حالة الطوارئ إذا جرى اعتراض قرارات الزُبيدي الأخيرة. وقال بوضوح إن مجلس القيادة بحاجة إلى “إعادة هيكلة وإصلاح جذري”.

الانتقالي كقوة ضامنة للأمن

في مقابل عجز الحكومة، أثبتت قوات المجلس الانتقالي فاعليتها كقوة منضبطة في مكافحة الإرهاب وتأمين المدن. هذه القوات، بدعم من الإمارات، نجحت في طرد تنظيم القاعدة من أبين وشبوة وساحل حضرموت، وما تزال تفرض الأمن في عدن ومناطق الجنوب.

في المقابل، يُتهم خصوم الانتقالي داخل الشرعية بارتباطات مع جماعات متطرفة أو بإعاقة جهود مكافحة الإرهاب، وهو ما يعزز صورة الانتقالي كقوة جديرة بالثقة لدى الشارع الجنوبي ولدى الشركاء الإقليميين والدوليين.

الموقف الدولي والإقليمي

قد تثير عودة الإدارة الذاتية قلق بعض الأطراف الدولية والإقليمية، لكن الجنوبيين يردون بأن استمرار الوضع الراهن هو التهديد الحقيقي للاستقرار. حكومة عاجزة وفاسدة لا يمكن أن تكون شريكاً موثوقاً في أي تسوية سياسية.

المحلل السياسي صلاح محمود يوضح: “على المجتمع الدولي أن يعيد تقييم أولوياته. ما الفائدة من التمسك بهيكل سياسي فاشل على حساب استقرار حياة الملايين؟ وجود إدارة جنوبية قوية وفعالة هو الضمانة الحقيقية لشراكة استراتيجية في مكافحة الإرهاب وتأمين الملاحة الدولية.”

ويضيف: “الإدارة الذاتية ليست بالضرورة خطوة نحو التفكيك، بل قد تكون وسيلة لإصلاح الوضع وإعادة التوازن السياسي، بما يعزز الموقف المناهض للحوثيين.”

بين ضبط النفس والقرار المصيري

المجلس الانتقالي حتى الآن يمارس قدراً من ضبط النفس الاستراتيجي للحفاظ على الشراكة الهشة داخل الرئاسي، لكن نفاد صبر الشارع يضعه أمام خيار صعب: إما الاستمرار في شراكة شكلية تكرّس الانهيار، أو إعلان خطوة مصيرية تعيد الأمل للجنوبيين.

قرارات الزُبيدي الأخيرة، التي لم يصدر حتى اللحظة أي موقف رسمي من بقية أعضاء المجلس بشأنها، قد تكون مقدمة لمرحلة جديدة تُعيد رسم ملامح الشراكة أو تنسفها بالكامل.

في الأثناء، يتطلع الشارع الجنوبي إلى الخطوة التالية للرئيس الزُبيدي، باعتبارها “تصحيح مسار” و”طوق النجاة الأخير”.