الصوت الجنوبي – تقرير خاص

في 24 سبتمبر، جدد رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، عيدروس الزُبيدي، التأكيد على “حق شعب الجنوب في الاستقلال”، وذلك خلال كلمة ألقاها أمام مجلس الأمن الدولي في نيويورك، ركّز فيها على التحديات الأمنية والسياسية والتكنولوجية التي تواجه اليمن والمنطقة.

وقال الزُبيدي إن التطور المتسارع في مجال الذكاء الاصطناعي يمثل “تحولًا جذريًا في العالم المعاصر”، مشيراً إلى أن هذه التكنولوجيا تحمل فرصاً كبيرة للتنمية والابتكار، لكنها في الوقت ذاته قد تتحول إلى “أداة خطيرة إذا استغلتها الجماعات الإرهابية”.

وأضاف أن ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران “وظّفت الذكاء الاصطناعي في التضليل الإعلامي والحملات الدعائية”، في وقت تعمل فيه طهران، على تطوير أنظمة أسلحة ذاتية التشغيل “تشكل تهديداً للأمن الإقليمي والدولي”.

وشدد الزُبيدي في خطابه على أن التعامل مع الذكاء الاصطناعي “لا ينبغي أن يُختزل باعتباره مسألة تقنية بحتة”، بل يجب النظر إليه كقضية تتعلق بـ”السيادة وكرامة الشعوب”.

وأكد أن وقوع هذه التكنولوجيا في أيدي أطراف خارجية “قد يهدد استقرار الدول الهشة ويعرضها لانهيارات إضافية”.

وطرح الزُبيدي أربع أولويات قال إنها يجب أن تكون مرجعاً لاستخدام الذكاء الاصطناعي بصورة رشيدة، وتشمل: دعم التنمية وإعادة بناء الخدمات الأساسية، تعزيز السلام والأمن المحلي، حماية الأمن الإقليمي والدولي، وتحقيق العدالة وفق ميثاق الأمم المتحدة.

كما دعا إلى “التعاون مع مجلس القيادة الرئاسي في مجالات القدرات التكنولوجية”، لكنه لفت في الوقت ذاته إلى وجود فجوة في المواقف الدولية تجاه الاستراتيجية التي تبناها المجلس لردع الحوثيين.

دعوة لتحرك عسكري

وفي تصريحات لقناة “سكاي نيوز عربية” على هامش الاجتماعات، أوضح الرئيس القائد عيدروس الزبيدي أن مجلس القيادة الرئاسي أعدّ “استراتيجية متكاملة لمواجهة الحوثيين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً”، غير أن المجتمع الدولي “لم يتفاعل معها حتى الآن”.

وأضاف: “يجب تنفيذ عملية عسكرية بدعم التحالف العربي والدولي لإنهاء سيطرة الحوثي على كامل تراب اليمن”.

وأشار الزُبيدي إلى أن هزيمة الحوثيين ستفتح الباب أمام مسارات لحل يقوم على “خيار الدولتين”، موضحاً: “نحن نؤمن بأن قيام دولة جنوبية وأخرى شمالية سيتيح العيش في وئام وسلام”.

وشدد على أن “استقلال الجنوب هدف ثابت”، وأن المجلس الانتقالي يسعى لإعادة دولة الجنوب إلى عضوية الأمم المتحدة ورفع علمها مجدداً في المحافل الدولية.

إصلاح المؤسسات الحكومية

وفي جانب آخر من كلمته، تطرق الزُبيدي إلى القرارات الأخيرة التي أصدرها بشأن التعيينات في وزارات وهيئات ومحافظات جنوبية، موضحاً أن هذه الخطوات جاءت “بعد أن أصبحت مؤسسات الدولة والحكومة مترهلة وغير فاعلة”.

وقال إن القرارات الأخيرة “تمثل استحقاقاً للمجلس الانتقالي وشعب الجنوب، وجزءاً من الحق القانوني المكفول دستورياً في مجلس القيادة”.

لكن الزُبيدي كشف في الوقت نفسه عن “عجز داخل مجلس القيادة عن تحقيق التوافق”، مشيراً إلى غياب “آلية تشاركية لاتخاذ القرار”، واتهم أطرافاً داخله بالانفراد بإصدار “آلاف القرارات الأحادية من دون علم بقية الأعضاء”.

وأكد: “هناك انفراد في اتخاذ القرار داخل المجلس الرئاسي، ولن نسمح بذلك”.

دعوة إلى انتخابات

وشدد الزُبيدي على أن هناك قوى سياسية “لا تريد لحكومة المجلس أن تنهض لخدمة المواطنين”، محذراً من أن استمرار الوضع الحالي “سيدفعنا لدعوة القوى السياسية لإجراء انتخابات ديمقراطية لتشكيل حكومة قوية وفعالة”.

ورأى أن الإصلاح السياسي هو السبيل الأمثل للخروج من حالة الجمود التي تعيشها مؤسسات الدولة، مشيراً إلى أن “غياب القرار التشاركي والإرادة الجادة يعطل الخدمات ويزيد من معاناة المواطنين في الجنوب والشمال على حد سواء”.

ملف تعز والاغتيالات السياسية

كما أدان الزُبيدي جريمة اغتيال الناشطة الحقوقية أفتَهان المشهري في مدينة تعز، معتبراً أن مقتلها جاء على يد “عصابات مدعومة من قوى سياسية”. وأوضح أن “تصفية المتهم الرئيسي في القضية تهدف إلى إخفاء الأدلة ومنع الوصول إلى الجناة الحقيقيين”.

واتهم جماعة الإخوان المسلمين بالسيطرة المتنامية على مدينة تعز وسط “ضعف دور الحكومة هناك”، مشيراً إلى أن القيادي العسكري أمجد خالد “كان تابعاً للإخوان، لكنه لجأ لاحقاً إلى الحوثيين، وبالتعاون معهم أقام معسكرات مسلحة في المدينة”.

تهديدات متعددة

وتحدث الزُبيدي عن التحديات الأمنية التي تواجه المجلس الانتقالي، قائلاً إن الجنوب يتعرض لتهديدات من “داعش والقاعدة والإخوان المسلمين”، مشدداً على ضرورة “توفير دعم دولي لتعزيز جهود مكافحة الإرهاب”.

وأضاف أن المجلس الانتقالي “يعمل على تنسيق الجهود الأمنية والعسكرية لضمان استقرار الجنوب”، داعياً المجتمع الدولي إلى “دعم هذه المساعي لما تمثله من أهمية للأمن الإقليمي والدولي”.

منظور جنوبي

وفي هذا الصدد، قال الكاتب السياسي صالح فرج “للصوت الجنوبي” إن “الجنوب اليوم لديه قيادة سياسية واضحة وواقعية تتحدث بلغة المجتمع الدولي”، مضيفاً أن “تأكيد الزُبيدي على استقلال الجنوب ينسجم مع التضحيات التي قدمها الجنوبيون منذ عقود”.

وأضاف فرج: “إدراج ملف الجنوب في مجلس الأمن الدولي يعد إنجازاً بحد ذاته، ورسالة بأن المجتمع الدولي لم يعد قادراً على تجاهل هذه القضية”. وأشار إلى أن “التلميح إلى خيار الدولتين يفتح الباب أمام مسار جديد للحل في اليمن، بعيداً عن الحلول الترقيعية التي فشلت خلال السنوات الماضية”.

من جانبه، قال الصحفي ربيع بن همام “للصوت الجنوبي” إن خطاب الزُبيدي “أعاد تسليط الضوء على المظلومية الجنوبية في أعلى منبر دولي”، لافتاً إلى أن “الانتقالي بات يتعامل مع المجتمع الدولي كطرف فاعل لا يمكن تجاوزه”.

وأضاف بن همام: “حديث الزُبيدي عن القرارات الأحادية داخل مجلس القيادة يعكس أزمة حقيقية في بنية السلطة الحالية”، مشيراً إلى أن “دعوة الانتقالي لانتخابات حرة تمثل خطوة متقدمة لإعادة الاعتبار للعملية السياسية”.

وتابع الصحفي: “المجتمع الدولي مطالب بأن يدرك أن استقرار الجنوب هو بوابة لاستقرار المنطقة بأكملها، وأن تجاهل هذه الحقيقة سيطيل أمد الصراع”.

وبينما يواصل مجلس الأمن مناقشة تطورات الأوضاع في البلاد، بدا واضحاً أن حضور الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، في نيويورك شكّل فرصة للمجلس الانتقالي الجنوبي لتثبيت موقعه كقوة سياسية وعسكرية لها حضور على الأرض.

ومع تجديده التأكيد على حق الجنوبيين في الاستقلال، فإن الزُبيدي أرسل إشارة واضحة إلى المجتمع الدولي بأن الجنوب “ماضٍ في مساره السياسي” مهما طال أمد الصراع.