الصوت الجنوبي _ تقرير خاص

تشهد محافظة حضرموت منذ مطلع سبتمبر الجاري أجواءً سياسية متوترة، بفعل حملات تصعيدية تقودها قوى حزبية، في مقدمتها حزب الإصلاح، بالشراكة مع عناصر متطرفة إرهابية، وقد تزامنت هذه الحملات مع افتتاح العام الدراسي الجديد، ما جعلها أكثر حساسية على الوضع المجتمعي في المحافظة.

وفي خضم هذا التصعيد، أصدرت القيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت بيانًا شديد اللهجة، دان فيه محاولات حزب الإصلاح استغلال مناسبات شمالية لإحداث فوضى وخلق بلبلة في المكلا، وأكد البيان أن حضرموت ستبقى بيئة طاردة لمثل هذه المشاريع، وأن أبنائها سيظلون السد المنيع في مواجهة أي تهديدات تستهدف أمنها وهويتها الجنوبية.

غير أن المثير للجدل، كان دخول السفارة الأمريكية في خط الأحداث ببيان عبّرت فيه عن “قلقها” مما وصفته بـ”مداهمة” لفعالية نسائية إصلاحية في المكلا، الأمر الذي اعتبره الجنوبيون تجاهلًا لحقائق الواقع، وانحيازًا غير مبرر لرواية حزب مرفوض شعبيًا، ما أثار ردود فعل غاضبة محليًا.

بيان انتقالي حضرموت وإدانة حملات التصعيد

أكدت الهيئة التنفيذية للقيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت أن الحملات التصعيدية الأخيرة ليست مجرد تحركات سياسية عادية، بل هي امتداد لمشاريع معادية تستهدف الجنوب منذ عقود.

البيان أوضح أن حزب الإصلاح يقود هذه التحركات مدعومًا بعناصر من تنظيم القاعدة، بهدف خلق حالة فوضى في المكلا عبر تحركات ليلية واستغلال فعاليات مناسبات شمالية لا علاقة لها بالهوية الحضرمية.

وشدد البيان على أن حضرموت بيئة طاردة لمثل هذه المشاريع، وأن كل محاولات فرض الشراكات الوهمية للإصلاح لن تنجح، باعتبار أن الحزب لا يملك سوى شراكات مع جماعات إرهابية ومليشيات مسلحة، في إشارة إلى تحالفاته السابقة مع تنظيم القاعدة الإرهابي.

كما ذكّر البيان بجرائم الإصلاح في حرب 1994م، ومنها الفتوى التكفيرية التي استهدفت الجنوب وأهله، معتبرًا أن وصف شباب ونساء حضرموت الحاملين لعلم الجنوب بأنهم “خارجون عن القانون” يكشف بجلاء الحقد التاريخي للتنظيم على الجنوب.

بيان السفارة الأمريكية وإثارة الجدل

أصدرت السفارة الأمريكية في اليمن بيانًا يوم 29 سبتمبر 2025، أعربت فيه عن قلقها إزاء ما وصفته بـ”مداهمة” فعالية نسائية لحزب سياسي في المكلا، معتبرة أن ما جرى يقوض حرية التعبير والتجمع. كما أعربت عن انزعاجها من اعتقالات ومضايقات تطال الصحفيين.

لكن الوقائع الميدانية – كما وثقتها مصادر محلية وفيديوهات متداولة – أظهرت رواية مغايرة تمامًا؛ إذ لم يتم تسجيل أي مداهمة من قبل المجلس الانتقالي أو الأجهزة الأمنية، بل إن ما جرى كان احتكاكًا مباشرًا بعدما قامت نساء إصلاحيات بالاعتداء على سيدة جنوبية وانتزاع علم الجنوب من يدها.

هذا البيان أثار جدلًا واسعًا في الشارع الجنوبي، حيث رأى كثيرون أنه تجاهل حقائق الواقع وانحاز لرواية حزب الإصلاح. بل زاد الغضب الشعبي لأن السفارة لم تُبدِ أي موقف من جرائم أكبر وأكثر خطورة، مثل اغتيال الناشطة أفتهان المشهري في تعز أو قمع الاحتجاجات الدموية في سيئون وشبام.

توضيحات مؤسسات جنوبية ومنظمات مجتمع مدني

مؤسسة إنسان التنموية (HDF) سارعت لإصدار بيان توضيحي ردًا على ما ورد في بيان السفارة الأمريكية. أكدت المؤسسة أن ما جرى في المكلا لم يكن مداهمة لفعالية إصلاحية، بل كان اعتداءً على نساء جنوبيات رفعن علم الجنوب في وقفة سلمية.

وأضاف البيان أن الجهة المعتدية كانت عناصر نسائية تابعة للإصلاح، وهو حزب ارتبط اسمه بانتهاكات ممنهجة ضد الحريات، خصوصًا في الجنوب.

وشددت المؤسسة على أن حرية التعبير مكفولة في المحافظات الجنوبية، وأن الانتهاكات الحقيقية مصدرها القوى الحزبية التي تسعى لقمع الصوت الجنوبي وتشويه صورته، داعية المجتمع الدولي إلى تحري الدقة قبل إصدار بيانات من شأنها تبرئة الجهة المعتدية.

هذا الموقف الحقوقي عزز قناعة كثير من المراقبين بأن بيان السفارة الأمريكية جاء متسرعًا، ولم يستند إلى روايات موثوقة، بل إن توقيته بعد ساعات قليلة من إعلان تشكيل ميليشيات جديدة في حضرموت بقيادة عمرو بن حبريش أثار تساؤلات حول مغزاه السياسي.

ردود الفعل الجنوبية على بيان السفارة

توالت التصريحات من قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي ومحللين جنوبيين للرد على بيان السفارة الأمريكية.

فقد تساءل رئيس مركز “ساوث24” للأخبار والدراسات، أياد الشعيبي، عن سبب تجاهل واشنطن لجرائم الاغتيالات والقمع الدموي في الشمال وسيئون، بينما سارعت للتعليق على احتكاك محدود في المكلا، معتبرًا أن الموقف الأمريكي انتقائي ويخدم أجندات لا علاقة لها باستقرار حضرموت.

من جانبه، أوضح نائب رئيس الهيئة التنفيذية للقيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت، علي أحمد الجفري، في تصريح خاص لـ”الصوت الجنوبي “: أن الجنوب ليس محطة إنعاش للأحزاب التي لفظها التاريخ، وأن محاولات إعادة تدوير مشاريع الفشل في عدن أو حضرموت ستبوء بالفشل، مؤكدًا أن قرار الجنوب قرار شعب لا يمكن كسره.

كما شدد الممثل الخاص للرئيس الزُبيدي للشؤون الخارجية، عمرو البيض، على أن نشاط الإصلاح في حضرموت يُعد تدخلاً أجنبيًا في الشأن الجنوبي، لأنه حزب شمالي لا يمثل إرادة أبناء الجنوب.

وذهب نائب رئيس الهيئة السياسية للأمانة العامة للمجلس الانتقالي الجنوبي، محمد باتيس إلى أبعد من ذلك، حين أكد أن شراكة الانتقالي مع الشرعية لا تعني السماح للإصلاح بممارسة نشاطه في الجنوب.

الموقف الإعلامي والدعوة لإغلاق مقرات الأحزاب اليمنية

في خضم هذه الأحداث، دعا مدير إدارة الإعلام والثقافة بتنفيذية انتقالي حضرموت، عبدالله باوزير، إلى إغلاق مقرات الأحزاب اليمنية ومنع أي نشاط لها في الجنوب إلى حين انتهاء الحرب وتحرير صنعاء.

واعتبر باوزير في تصريح خاص لـ”الصوت الجنوبي “: أن من غير المقبول أن تستمر هذه الأحزاب في ممارسة نشاطها العدائي ضد الجنوب فيما هي نفسها عاجزة أمام الحوثيين.

وأشار باوزير إلى أن هذه الأحزاب لا تجيد سوى نشر الفوضى وتغذية الفتن، عبر قنواتها الإعلامية وخلاياها النائمة، مؤكداً أن الوقت قد حان لإيقافها بشكل حازم.

هذا الموقف الإعلامي يعكس قناعة راسخة لدى الشارع الجنوبي بأن نشاط الأحزاب اليمنية في حضرموت وعدن يهدف فقط إلى تقويض الاستقرار وضرب الهوية الجنوبية، وهو ما يرفضه الجنوبيون بكل وضوح.

حضرموت في قلب المعادلة السياسية

بين بيان الانتقالي الذي أدان التصعيد الإصلاحي، وبيان السفارة الأمريكية الذي أثار غضبًا واسعًا، تظل حضرموت اليوم في قلب معادلة سياسية حساسة.

فبينما يحاول حزب الإصلاح استعادة حضوره المفقود عبر إثارة الأزمات، يواجهه شعب جنوبي أكثر وعيًا وصلابة، مصممًا على حماية أرضه وهويته.

وفي المقابل، فإن البيانات الدولية غير الدقيقة تزيد الوضع التباسًا، بدل أن تساهم في تعزيز الاستقرار.