الصوت الجنوبي – تقرير خاص
تعيش محافظة حضرموت الجنوبية هذه الأيام حراكاً غير عادي، مع اقتراب الموعد المنتظر لمليونية 14 أكتوبر التي ستُقام في مدينة شبام التاريخية بوادي حضرموت، الثلاثاء المقبل، احتفاءً بالذكرى الثانية والستين لثورة 14 أكتوبر المجيدة.

التحضيرات الجارية على الأرض تعكس حجم الاهتمام الشعبي والسياسي بهذه الفعالية، التي يُتوقع أن تكون من كبرى الفعاليات في تاريخ المحافظة، وربما في تاريخ الفعاليات الجنوبية.

الجهات التنظيمية في المجلس الانتقالي الجنوبي بالمحافظة، إلى جانب المكونات الشبابية والمدنية، تعمل على منذ الوهلة الأولى لضمان نجاح هذه المناسبة التي تحولت إلى محطة مفصلية في مسار القضية الجنوبية.

وبينما ترتفع الأعلام الجنوبية في شوارع المكلا وسيئون وشبام، تنتشر دعوات التعبئة في مختلف مديريات وادي وساحل حضرموت، تأكيداً على أن الجنوب بأكمله يستعد لرسالة سياسية وشعبية ستتجاوز حدود المحافظة.

هذه المليونية، كما يرى مراقبون، ليست مجرد احتفال بذكرى وطنية، بل هي إعادة إحياء للروح الثورية الجنوبية، وتجديد للعهد مع شهداء الاستقلال، وإعلان صريح بأن الجنوبيين ماضون في استعادة دولتهم المستقلة، مهما تعددت التحديات والمناورات.

شبام التاريخ

اختيار يوم 14 أكتوبر لتنظيم الفعالية في مدينة شبام بوادي حضرموت لم يكن صدفة، بل يحمل دلالة رمزية عميقة. فهذا اليوم يمثل نقطة تحول في تاريخ الجنوب، حين انطلقت ثورة 1963 ضد الاستعمار البريطاني من جبال ردفان، لتشكل بداية مسيرة التحرير الوطني التي توجت بإعلان الاستقلال في 30 نوفمبر 1967.

اليوم، بعد أكثر من ستة عقود، يستعيد الجنوبيون تلك الروح الثورية، لكن بأدوات جديدة وهدف واضح: استعادة الدولة الجنوبية الحديثة على أساس الهوية والشراكة والسيادة.

الكاتب السياسي الجنوبي سالمين الصقر تحدث “للصوت الجنوبي” عن رمزية الحدث قائلاً: “مليونية 14 أكتوبر في حضرموت تمثل إعادة صياغة للوعي الجنوبي الوطني في أبهى صوره. فحضرموت ليست مجرد محافظة، بل هي قلب الجنوب، ومركز التوازن السياسي والاقتصادي فيه. اختيار شبام لعقد المليونية في ذكرى الثورة هو تذكير بأن التحرر لا يكتمل إلا عندما تتوحد الإرادة الشعبية خلف هدف وطني واضح”.

وأضاف الصقر أن “الفعالية تأتي في وقت بالغ الحساسية، حيث تتزايد الدعوات الإقليمية لاستئناف المسار السياسي في البلاد، وبالتالي فإن الحشد الجنوبي في حضرموت سيكون بمثابة رسالة للداخل والخارج، مفادها أن المجلس الانتقالي هو الممثل الشرعي الوحيد الذي يملك الشرعية الشعبية والسياسية للتحدث باسم الجنوب”.

قيادة متجددة ورؤية راسخة

منذ تأسيسه في مايو 2017، استطاع المجلس الانتقالي الجنوبي أن يترجم تطلعات الجنوبيين إلى واقع سياسي ملموس. وفي حضرموت تحديداً، اتبع المجلس نهجاً متدرجاً في العمل السياسي، قائم على بناء الثقة مع الشارع وتجنب الصدام المباشر مع القوى التقليدية، إلى أن وصلت القناعة الشعبية إلى مرحلة الحسم.

ويبدو أن المليونية القادمة هي تتويج لهذا النهج، إذ ستعكس حجم الالتفاف الشعبي حول مشروع المجلس الانتقالي باعتباره الإطار السياسي الجامع للجنوب.

الحشود المتوقعة من مختلف المديريات تمثل استفتاءً عملياً على شرعية المجلس، خصوصاً بعد ما شهدته البلاد من فشل ذريع في إدارة الملفات الاقتصادية والخدمية من قبل الحكومة والمجلس الرئاسي اليمني.

وفي هذا الصدد، أشار الصحفي الجنوبي سلمان دحدوح في حديثه “للصوت الجنوبي” إلى أن “مليونية حضرموت ستشكل نقطة تحول في توازن القوى داخل الجنوب، لأن حجم المشاركة المتوقع سيقطع الشك باليقين بشأن ولاء حضرموت وهويتها السياسية”.

وقال دحدوح: “كلما زاد الفشل في إدارة مؤسسات الدولة من قبل الحكومة، كلما ترسخ في وعي المواطن الجنوبي أن المجلس الانتقالي هو الخيار الواقعي الوحيد الذي يمكن أن يضمن الاستقرار والكرامة والسيادة. حضرموت اليوم ترسل رسالة واضحة: نحن جزء من الجنوب ومصيرنا معه”.

وأضاف أن “المجلس الانتقالي، من خلال هذه الفعالية، لا يسعى فقط لاستعراض القوة، بل لتعزيز روح التلاحم الوطني، والتأكيد على أن الجنوب بكل محافظاته وحدة واحدة لا تتجزأ، وأن القرار السياسي الجنوبي يجب أن يصنع بأيدي الجنوبيين أنفسهم”.

أبعاد سياسية وشعبية

وتأتي هذه المليونية في توقيت حساس سياسياً، إذ تتزامن مع تعثر المشاورات السياسية اليمنية، واستمرار الانقسام داخل المجلس الرئاسي، وتفاقم الأوضاع المعيشية في المناطق الخاضعة لسلطة الحكومة المعترف بها دولياً.

مثل هذا الواقع، جعل المواطن الجنوبي أكثر اقتناعاً بأن الحلول الترقيعية لم تعد مجدية، وأن استعادة القرار الجنوبي المستقل باتت ضرورة وطنية.

ويؤكد مراقبون أن المجلس الانتقالي بات اليوم أكثر ثقة في قدرته على إدارة شؤون الجنوب، بعد أن نجح في بناء مؤسسات أمنية وإدارية فاعلة في عدن ولحج والضالع وأبين، كما أسهم في تحسين الأمن والاستقرار في هذه المحافظات، الأمر الذي يمنحه زخماً إضافياً في أي مسار تفاوضي قادم.

قلب الجنوب ومفتاح المستقبل

حضرموت ليست مجرد محافظة كبرى من حيث المساحة والثروة، بل هي ركيزة المشروع الجنوبي بأكمله. فهي الأغنى بالثروات النفطية والمعدنية، والأكثر استقراراً اجتماعياً، والأعمق ارتباطاً بالهوية الجنوبية تاريخياً وثقافياً.

من هنا، فإن أي تصور مستقبلي للدولة الجنوبية لا يمكن أن يكتمل دون حضرموت كقاعدة ارتكاز سياسية واقتصادية. ويبدو أن المجلس الانتقالي الجنوبي يدرك تماماً هذه المعادلة، لذلك حرص منذ البداية على تعزيز وجوده السياسي والتنظيمي في المحافظة، من خلال تشكيل هيئات محلية فاعلة، وتوسيع المشاركة المجتمعية، والانفتاح على المكونات الحضرمية كافة.

وفي هذا السياق، قال الكاتب سالمين الصقر مجدداً إن “حضرموت اليوم تُعدّ الامتحان الأهم للمشروع الجنوبي، لأن قدرتها على الحشد والتنظيم ستحدد طبيعة المرحلة المقبلة، سواء على صعيد المفاوضات السياسية أو على صعيد بناء مؤسسات الدولة الجنوبية القادمة”.

وأشار إلى أن “المجلس الانتقالي يراهن على وعي الحضارم وثقافتهم السياسية العالية، وعلى إدراكهم أن مستقبلهم الاقتصادي والسياسي سيكون أكثر استقراراً في إطار دولة الجنوب، لا في ظل نظام مركزي أثبت فشله لعقود”.

أما الصحفي سلمان دحدوح، فاعتبر أن “المشهد في حضرموت اليوم يُظهر نضوجاً سياسياً لافتاً، فالمواطنون لم يعودوا يتجاوبون مع الشعارات الفارغة أو الحملات الإعلامية المناوئة، بل أصبحوا يطالبون بموقف واضح ينسجم مع تطلعاتهم في بناء دولة عادلة توفر الأمن والتنمية وتمنع تهميشهم”.