الصوت الجنوبي – تقرير خاص

شهدت مدينة شبام التاريخية في وادي حضرموت حدثاً جماهيرياً غير مسبوق، أعاد رسم ملامح المشهد السياسي في الجنوب، وأطلق رسائل قوية إلى القوى الشمالية مفادها أن حضرموت لن تكون بعد اليوم ساحة للهيمنة أو الوصاية.

ففي ذكرى الرابع عشر من أكتوبر، احتشدت جموع ضخمة من أبناء حضرموت في قلب واديها النفطي، معلنين رفضهم لاستمرار سيطرة القوى الشمالية على مقدراتهم، ومجددين تأكيد انتمائهم إلى مشروع الدولة الجنوبية بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي.

ثروة تحت الحصار

رغم أن حضرموت تُعدّ الأغنى بالثروات النفطية في البلاد، فإن أبناءها يعيشون واقعاً اقتصادياً هشاً وخدمات متدهورة، في وقتٍ تذهب فيه عوائد النفط إلى مراكز نفوذ شمالية تتقاسمها شبكات فساد تمتد من صنعاء إلى مأرب.

تقديرات اقتصادية تشير إلى أنّ نحو 70% من إنتاج النفط في المحافظة يُستخرج من مناطق الوادي والصحراء، إلا أنّ أبناء المنطقة لا يرون من هذه الثروة سوى أعمدة الدخان على الأفق.

وقال الكاتب السياسي الجنوبي عادل باكرموم إن “المليونية الأخيرة لم تكن مجرد فعالية سياسية، بل انتفاضة شعبية ضد منظومة النهب المنظّم التي تمارسها قوى الشمال منذ عقود”.

وأضاف “للصوت الجنوبي”: “قوات المنطقة العسكرية الأولى ليست سوى الغطاء المسلح لتلك العصابات التي تحرس حقول النفط، وتمنع أبناء حضرموت من أي رقابة أو مشاركة في إدارة مواردهم”.

وأشار إلى أن “صوت حضرموت هذه المرة كان واضحاً: لا نفط يُستخرج دون إرادة أبنائها، ولا وصاية بعد اليوم على أرض الجنوب”.

الانتقالي الجنوبي

برز المجلس الانتقالي الجنوبي من جديد بوصفه المعبّر السياسي الأوضح عن الإرادة الشعبية الجنوبية. فالحشود التي شاركت في المليونية لم تكن مدفوعة بدوافع حزبية أو مناطقية، بل بوعيٍ جمعي يرى في المجلس الانتقالي الضمانة الوحيدة لتحقيق تطلعاتهم في العدالة والسيادة على الثروة.

ويرى مراقبون أنّ هذه المليونية مثّلت تفويضاً شعبياً جديداً للمجلس الانتقالي، ورسالة دعم قوية لجهوده في نقل القوات الشمالية من وادي حضرموت وتمكين أبناء المحافظة من إدارة شؤونهم.

وقال الصحفي الجنوبي ناصر المحمدي إن “المجلس الانتقالي استطاع أن يوحّد المكونات الجنوبية في حضرموت خلف هدفٍ وطني مشترك، وأن يفضح المشاريع الحزبية التي كانت تحاول تفتيت الصف الجنوبي”.

وأضاف “للصوت الجنوبي” : “ما حدث في شبام أكد أن الجنوب يعيش مرحلة وعي وطني جديد، وأن حضرموت أصبحت في طليعة هذا المشروع”.

سقوط أقنعة حزب الإصلاح

أحدثت المليونية صدمة عنيفة داخل حزب الإصلاح، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، الذي ظلّ يعتبر وادي حضرموت أحد آخر معاقله في الجنوب.

فمنذ انحسار نفوذ الحزب في عدن وشبوة وأبين، حاول أن يُبقي قبضته على الوادي من خلال قوات المنطقة الأولى وإعلامٍ موجه يتحدث عن “الوحدة الاقتصادية” و”المصالح المشتركة”. لكنّ المشهد الشعبي في حضرموت بدّد هذه السردية تماماً.

وقال الصحفي مروان الحضرمي إن “الإصلاح تلقّى صفعة سياسية قوية من حجم المشاركة الجماهيرية، التي أكدت أن نفوذه في الوادي لم يعد قائماً إلا شكلاً”.

وأضاف: “الحزب حاول تبرير الحدث بالحديث عن تمويل خارجي وتحشيد من خارج المحافظة، لكنه تجاهل الحقيقة الأوضح: أنّ أبناء حضرموت خرجوا بقرارهم المستقل، وبهويتهم الجنوبية التي لا يمكن لأحد مصادرتها”.

وأشار إلى أنّ “هذا التحول الشعبي يعني عملياً أن الإصلاح فقد آخر أوراقه في الجنوب، وأنّ مرحلة جديدة من الوعي السياسي بدأت تتشكل في وادي حضرموت”.

حضرموت في قلب المعادلة الجنوبية

لم تعد حضرموت اليوم مجرد ساحة جغرافية في خريطة الجنوب، بل أصبحت محور القرار في معادلة استعادة الدولة.

فالاحتشاد المليوني الأخير لم يكن فقط احتجاجاً على نهب الثروات، بل إعلاناً سياسياً واضحاً بأن حضرموت جزء أصيل من الجنوب، وأنها ترفض مشاريع التقسيم أو الوصاية القادمة من الشمال.

وقال الصحفي عبدالرحيم باعمر إن “الرسائل التي خرجت من شبام وصلت إلى الجميع: من حزب الإصلاح إلى القوى الشمالية الأخرى، مروراً بالتحالف العربي”.

وأضاف “للصوت الجنوبي”: “حضرموت اليوم تتحدث بلغة الدولة لا بلغة الشعارات. لقد أصبحت رمزاً للوحدة الجنوبية، وصوتها بات يُسمع في كل العواصم”.

ويرى مراقبون أن التحالف العربي بات أكثر إدراكاً لحساسية الموقف في وادي حضرموت، وأنّ بقاء القوات الشمالية هناك لم يعد خياراً عملياً في ظل تصاعد الغضب الشعبي.

وبحسب تقديراتهم، فإن المرحلة القادمة قد تشهد إعادة انتشار لتلك القوات واستبدالها بوحدات من النخبة الحضرمية والأجهزة المحلية، بما ينسجم مع مطالب الشارع ويعزّز الاستقرار في الجنوب.