الصوت الجنوبي – تقرير خاص

منذ تبلور دوره السياسي خلال السنوات الأخيرة، تحول المجلس الانتقالي الجنوبي إلى لاعب مركزي في المشهد الإقليمي والدولي، ليس فقط بوصفه قوة محلية ذات حضور عسكري وإداري في محافظات الجنوب، بل كطرفٍ سياسيٍ رفع مطالب شعب الجنوب إلى المحافل الدولية والسعي لتحويلها إلى واقع قابل للتنفيذ.

في هذا التقرير يستعرض “الصوت الجنوبي” الجهود الدبلوماسية والحراك الخارجي للرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي ومدى تأثيرها على المسار والنصال الجنوبي.

زيارات دولية ومحطات استراتيجية

شهدت الأشهر والسنوات الماضية سلسلة من التحركات الخارجية للرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي، شملت مشاركات في اجتماعات دولية وزيارات رسمية إلى عواصم كبرى، بهدف وضع قضية الجنوب على طاولة صنع القرار الدولي.

وشارك الرئيس الزُبيدي في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث التقى مسؤولين ودبلوماسيين ووفود الجالية الجنوبية في الولايات المتحدة، وحرص على إبراز معاناة المواطنين والحقوق التاريخية للجنوب أمام منابر دولية.

وتؤكد بيانات المجلس وخطابات الرئيس الزُبيدي أنّ الهدف هو إيصال “صوت الجنوب إلى العالم” والسعي لكسب شرعية دولية لمطالب الجنوبيين.

وعلى خط متوازٍ، تصاعدت التحركات نحو تعزيز قنوات التواصل مع دول لها ثقل دولي وإقليمي؛ آخرها زيارة إلى موسكو التقت بتغطية محلية ودولية، حيث عقد الزُبيدي لقاءات رسمية مع مسؤولين روس بينهم قيادات في وزارة الخارجية، وناقش معها فرص التعاون الاقتصادي والسياسي، ساعياً إلى تنويع شراكات الجنوب بعيداً عن محاور إقليمية تقليدية.

ونقلت روايات وسائل الإعلام المحلية تفاصيل الزيارة التي تحدثت عن سعي لإقامة مشاريع تنموية وإعادة تأهيل ميناء عدن وتوسيع مجالات الشراكة الفنية والاقتصادية.

ما الذي حمله الرئيس الزُبيدي إلى الخارج؟

لم تقتصر رسائل الرئيس الزُبيدي على مجرد عرض معاناة شعب الجنوب؛ بل احتوت على عروض سياسية واستراتيجية. في لقاءاته مع مسؤولين أوروبيين وأمريكيين، شدد الرئيس الزبيدي على ضرورة الاعتراف بالواقع الجديد على الأرض، وعلى أن أي حلّ للوضع القائم لا يمكن أن يتجاهل المطالب الجوهرية للجنوبيين، وفي مقدمها استعادة الحقوق السياسية والاقتصادية، وتأمين الموارد، وتأهيل البنى التحتية.

كما طالب الرئيس الزبيدي بدعم الجهود الإنسانية والتنمويّة التي يستفيد منها المواطنون بشكل مباشر. هذه التصريحات سرّعت جهود توضيح موقف المجلس كطرفٍ لا يرفض الحوار لكنه يطالب بتضمين حقوق الجنوب كعنصر لا تفاوض عليه.

وفي محاورٍ عدة، ربط الرئيس الزُبيدي بين استقرار الجنوب والأمن الإقليمي، لاسيما في مضيق باب المندب والبحر الأحمر. واعتبر الرئيس الزُبيدي أنَّ حماية الملاحة الدولية ترتبط بشكل مباشر بوجود قوة محلية قادرة على ضبط السواحل والمنع من أن تكون مناطق الجنوب منطلقاً لتصعيدات تهدد التجارة الدولية.

هذا الخطاب ساهم في جذب انتباه بعض الجهات الخارجية التي تضع أمن الملاحة على رأس أولوياتها، وفتح قنوات نقاش حول دعم قدرات محلية ومشروعات لوجستية في ميناء عدن.

دبلوماسية الانتقالي

يتبنى المجلس استراتيجية تعتمد على “التدويل” في نضاله: وهو عرض القضية الجنوبية أمام منابر دولية، وطلب دعم فني وسياسي واقتصادي متنوع، وفي الوقت نفسه الحفاظ على جبهات تفاوضية إقليمية.

هذا الأسلوب يقدمه أنصار المجلس كخطة مدروسة تسعى لانتزاع الحقوق لا بالقوة وحدها، بل بالضغط السياسي والدبلوماسي الذكي.

وفي هذا السياق، قال الكاتب السياسي الجنوبي خالد بن سلم “للصوت الجنوبي”: “إنّ خطوات رئيس المجلس الخارجية لم تكن عشوائية؛ بل هذه زيارات محسوبة الهدف، تقرأ التوازنات الدولية وتبحث عن قنوات ضغط لصالح قضيتنا. حملنا رسائل واضحة: الجنوب يريد حقوقه المشروعة، ولا يقبل بأي حلّ يُهمّش هذه الحقوق.”

وأضاف خالد بن سلم: “قد لا تُنتج الزيارة نتائج فورية، لكن صناعة التأييد الدولي وتسجيل مواقف رسمية نيابية ودبلوماسية حول قضيتنا، يُعدّ مدخلاً عملياً قد يغير قواعد الاشتباك مستقبلاً.”

وأشار بن سلم إلى أنَّ العمل الدبلوماسي يجب أن يُكمل جهد البناء الداخلي في الجنوب، من تحسين الخدمات إلى بناء مؤسساتٍ مدنية قادرة على إدارة أي مرحلة قادمة.

وتحدث الصحفي الجنوبي صالح المعاري، عن هذه الزيارات. وقال “للصوت الجنوبي”: “زيارة الرئيس الزُبيدي للمحافل الدولية رسالة مفادها أن الجنوب لم يعد جهة هامشية في المشهد المحلي؛ بل إنه طرف يريد الانخراط في كلّ ملفات السلام والأمن والتنمية.”

وبشأن الكيفية، قال المعاري: “النجاح يتطلب شفافية في الملفات المطروحة أمام الجهات الدولية، ووضوحاً في المطالب وبدائل عملية قابلة للقياس. التدويل الحقيقي لا يكون إلا بقرائن على الأرض: مؤسسات خدمية، إدارة موارد، وقوات مؤسساتية تحترم القانون، مضيفا أن هذا “هو ما يركز عليه المجلس الانتقالي في هذه المرحلة.”

الردود المحلية

يصف شعب الجنوب هذه الزيارات بأنها نجاح دبلوماسي يضع الجنوب في مركز الاهتمام. فعلى الصعيد الإقليمي، باتت دول كبرى تنظر بعين الاعتبار إلى مسألة استقلال الجنوب في الوقت الحالي، فضلا عن انفتاحها على التعامل مع المطالب الإنسانية والتنموية والسياسات اللوجستية التي تحفظ الملاحة الدولية وتعود بالنفع على الاقتصاد الإقليمي.

هذا المزيج من الفرص، بحسب الكاتب السياسي بن سلم “يضع الكرة في ملعب المجلس الانتقالي لشد انتباه اللاعبين الإقليميين والدوليين، لا سيما في هذه المرحلة”.

وعلى صعيد نضاله السياسي، تنقلت رسائل الزُبيدي بين العواصم والمحافل، حاملةً همّ شعبٍ يبحث عن حقوقه التاريخية والاقتصادية والسياسية. ومن الواضح أن المجلس الانتقالي الجنوبي يقود حرباً دبلوماسية موازية لما يجري سياسياً وعسكرياً؛ حرب تهدف إلى تحويل قضية الجنوب من ملف داخلي إلى قضية مُعترف بها دولياً.

ويمكن القول، إن نجاح هذه المساعي لن يتحقق بين ليلة وضحاها، لكنه يتطلب استمرارية في الحضور الدولي، ومقاربة عملية توازن بين مطلب الشرعية الدولية والحقوق الوطنية، وبناء مؤسسات قادرة على ترجمة أي اتفاق دولي إلى واقع معيشي للمواطن الجنوبي.