الصوت الجنوبي – تقرير خاص

تواصل جماعة الحوثيين اليمنية الإرهابية، المدعومة من إيران، حملة قمع واسعة تستهدف العاملين في المجال الإنساني والأكاديميين والناشطين المدنيين، مستخدمة تهم “التجسس” ذريعة لتعطيل وصول المساعدات إلى اليمنيين في الشمال.

وفي الوقت الذي ينهار فيه العمل الإنساني تحت وطأة الإرهاب الحوثي، تبرز العاصمة الجنوبية عدن كنموذج للاستقرار والأمان، حيث تمكن المجلس الانتقالي الجنوبي من تسهيل نقل مكاتب المنظمات الدولية إليها، بما يضمن استمرار نشاطها وحماية موظفيها من التعرض للاعتقالات والتهديدات.

انتهاك صارخ
في أحدث التطورات، بدأت الجماعة محاكمة 21 شخصًا بتهم تتعلق بـ”التجسس” لصالح دول أجنبية، في وقت اقتحم فيه مسلحون تابعون لها، في 12 نوفمبر، مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في صنعاء، وفق مصادر صحفية. وأفادت وكالة “سبأ” التابعة للحوثيين أن المحكمة الجزائية المتخصصة بأمانة العاصمة عقدت في 11 نوفمبر جلستين للنظر في قضايا المتهمين، الذين وصفتهم بأنهم أعضاء في “شبكة تجسسية” مرتبطة بغرفة عمليات بين المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والسعودية في الرياض.

وطالبت النيابة الحوثية بإنزال عقوبة الإعدام بحقهم، مستندة إلى ما قالت إنها “اعترافات مفصلة” وأدلة تشمل أجهزة اتصال وسبائك ذهب ومراسلات مع ضباط استخبارات أجانب.

ويرى مراقبون أن هذه المحاكمات والملاحقات الأمنية تأتي في سياق تصعيد مستمر من قبل الجماعة ضد أي نشاط دولي أو محلي قد يعطل هيمنتها. ففي 10 نوفمبر الماضي، اعتقلت الجماعة المفكر والأكاديمي البارز حمود العودي، إلى جانب الناشط عبدالرحمن العلفي ومدير مركز “دال” للدراسات الاجتماعية أنور شعب، بعد استدعائهم إلى مقر ما يسمى “جهاز الأمن والمخابرات”، في خطوة اعتبرها خبراء محاولة لفرض الخوف على المجتمع المدني والعاملين الإنسانيين.

وقال الصحفي الجنوبي ياسر المعاري “للصوت الجنوبي”: “ما تقوم به جماعة الحوثيين ليس مجرد محاربة ‘عملاء الخارج’ كما يدعون، بل هو محاولة ممنهجة لتعطيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي يسيطرون عليها، وتحويل المدنيين إلى رهائن لممارساتهم الإرهابية”.

وأضاف: “في المقابل، يوفر المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن بيئة آمنة للعمل الإنساني، حيث تم نقل عدد من مكاتب المنظمات الدولية إلى العاصمة الجنوبية لضمان استمرار برامج الإغاثة دون تهديد حياة الموظفين”.

من جهته، قال الكاتب السياسي الجنوبي فهد الكسادي: “العالم يحتاج إلى رؤية واضحة لما يحدث في شمال اليمن؛ فالمدنيون هناك يدفعون ثمن سياسات الحوثيين التي تستهدف تدمير أي نشاط دولي يساهم في تخفيف معاناتهم”.

وأشار في حديثه “للصوت الجنوبي” إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي أصبح شريكًا فعليًا في تسهيل عمل المنظمات الدولية، مؤكداً أن الاستقرار الأمني في عدن يعكس قدرة الإدارة الجنوبية على حماية العاملين والمشاريع الإنسانية.

مزاعم كاذبة
على صعيد استمرار الانتهاكات، كثّفت مليشيات الحوثيين حملاتها الأمنية ضد نشطاء وأكاديميين وموظفين تابعين للأمم المتحدة منذ وقف إطلاق النار في غزة، واعتقلت العشرات منهم بتهم “التخابر”. وأوضح المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، في 18 أكتوبر، أن عناصر الجماعة صادرت معدات تقنية وأجهزة اتصال وأصولًا تابعة للمنظمة الدولية، بما يعيق قدرة الأمم المتحدة على تقديم المساعدات للمدنيين.

وشملت الاقتحامات مؤسسات عدة، من بينها منظمة أوكسفام ومكتب المبعوث الأممي الخاص لليمن هانس غروندبرغ ومنظمات أممية أخرى، ما يثير المخاوف الدولية من تراجع برامج الدعم الغذائي والصحي للأطفال والنساء وكبار السن في الشمال.

وقال المبعوث الأممي غروندبرغ في بيان له: “استمرار احتجاز الحوثيين لموظفي الأمم المتحدة يعيق إيصال المساعدات ويقوّض الثقة بجهود الوساطة”، محذرًا من أن الوضع الحالي قد يفاقم الأزمة الإنسانية ويزيد من معاناة المدنيين.

ويشير خبراء إلى أن نهج الحوثيين يعكس استراتيجية ممنهجة لعرقلة أي جهود دولية تهدف إلى تعزيز الأمن الغذائي والصحي، أو مراقبة الانتهاكات في السجون ومراكز الاحتجاز، بما يفتح المجال أمام انتهاكات جديدة دون مساءلة.

تسهيلات جنوبية “انتقالية”
في هذا السياق، يبرز دور المجلس الانتقالي الجنوبي في خلق مناخ مؤاتٍ للعمل الإنساني، إذ تمكن خلال الأشهر الماضية من توفير حماية للأطر العاملة في المنظمات الدولية وتسهيل عمليات نقلها إلى عدن، بعيدًا عن التدخلات الحوثية.

وقال ياسر المعاري وبشأن نقل مكاتب المنظمات الدولية إلى عدن: “هذا الإجراء لم يكن خيارًا سهلاً، لكنه أصبح ضرورة لإنقاذ حياة موظفي المنظمات، وضمان استمرار تقديم المساعدات للمحتاجين. المجلس الانتقالي الجنوبي أثبت أنه قادر على توفير الأمن والاستقرار اللازمين لإنجاح العمل الإنساني، بعكس ما يعيشه الشمال تحت سطوة الحوثيين”.

ويضيف فهد الكسادي: “التحرك الجنوبي لنقل مراكز المنظمات الدولية ليس مجرد حماية للأشخاص، بل رسالة واضحة للعالم بأن الجنوب قادر على تحمل مسؤولية الإدارة الفعالة والآمنة للأنشطة الإنسانية والتنموية. هذا يؤكد أن الاستقرار لا يمكن أن يتحقق إلا في بيئة سياسية وأمنية مستقرة، كما هو الحال في عدن اليوم”.

وفي ضوء هذه التطورات، يبدو واضحًا أن الحوثيين يستخدمون الاتهامات بالعمالة والتجسس لتبرير قمعهم، بينما يتحمل المدنيون في الشمال تداعيات هذا النهج. ويؤكد الخبراء أن استمرار هذه السياسات يهدد حياة عشرات الآلاف من المحتاجين، ويعيق تقديم المساعدات الغذائية والصحية والتعليمية، ويقوض أي مساعي للتوصل إلى حلول سلمية مستدامة.

ويشير المعاري: “الأدلة واضحة؛ المناطق التي ينشط فيها الحوثيون تواجه انعدامًا شبه كامل للخدمات الأساسية والمساعدات الدولية، بينما توفر عدن بيئة آمنة ومستقرة تمكن المنظمات الدولية من تنفيذ برامجها دون معوقات. هذا الاختلاف ليس صدفة، بل نتيجة مباشرة للسياسات الحوثية التي تعيق كل جهود الإغاثة”.

وفي السياق نفسه، يضيف الكسادي: “من الواضح أن استمرار استهداف الموظفين الدوليين ومحاكمتهم المزيفة لن يغير الواقع إلا نحو مزيد من الكارثة الإنسانية. الحل الأمثل هو دعم العمل الإنساني في الجنوب، وتعزيز قدرة المجلس الانتقالي على إدارة مشاريع التنمية والإغاثة، بعيدًا عن سطوة الحوثيين التي تفرض الخوف والرعب على المدنيين”.

ويؤكد الكسادي والمعاري أن الخطوات الأخيرة التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي لتعزيز استقرار عدن، بما في ذلك توفير الأمن وحماية العاملين في المجال الإنساني، تمثل نموذجًا يحتذى به في اليمن، حيث تظهر العاصمة الجنوبية كملاذ آمن للمنظمات الدولية، ويتيح بيئة مناسبة لتنفيذ برامج الإغاثة بكفاءة وفعالية.

وفي المقابل، تظل مناطق الشمال تحت سيطرة الحوثيين، الذين يواصلون قمع المجتمع المدني وعرقلة أي نشاط دولي، ما يزيد من معاناة السكان المحليين ويقوض أي جهود لتخفيف الأزمة الإنسانية.