الصوت الجنوبي _ تقرير خاص

شهد وادي حضرموت خلال الأيام الماضية تطورات مفصلية غيرت المشهد العام وأعادت رسم مسار الأحداث في واحدة من أهم مناطق الجنوب العربي، انطلقت الشرارة الأولى عبر “مليونية سيئون” التي جسدت موقفًا شعبيًا واضحًا يطالب بإنهاء الوجود العسكري التابع للمنطقة العسكرية الأولى، وتمكين أبناء حضرموت من إدارة أرضهم وأمنهم بشكل كامل، هذا الحشد الكبير لم يكن مجرد فعالية جماهيرية، بل تحول إلى إعلان إرادة شعبية راسخة.

وجاءت الاستجابة عبر عملية عسكرية واسعة نفذتها القوات المسلحة الجنوبية تحت اسم “المستقبل الواعد”، التي أسفرت عن تحرير وادي وصحراء حضرموت بعد أكثر من ثلاثة عقود من الهيمنة، وقد شكّلت العملية محطة فارقة في مسار استعادة الأمن والاستقرار، ومقدمة لترتيبات واسعة تهدف إلى إعادة الحياة لطبيعتها وتمكين الناس من ممارسة شؤونهم اليومية.

بالتوازي، تكاملت الجهود السياسية والمجتمعية من خلال لقاءات موسّعة مع القبائل والشخصيات الاجتماعية في الوادي، بما يعزز الجبهة الداخلية ويضمن نجاح المرحلة الجديدة، كما بدأت المرافق الحيوية في العودة للعمل، وعلى رأسها مطار سيئون الدولي، بينما تنفذ قيادة الانتقالي في حضرموت، وفي مقدمتها الأستاذ محمد صالح باتيس، سلسلة نزولات ميدانية لتطمين المواطنين وتلمّس احتياجاتهم.

مليونية سيئون… لحظة إعلان الإرادة الشعبية

شهدت مدينة سيئون واحدة من أكبر الفعاليات الجماهيرية في تاريخ حضرموت، حيث احتشد عشرات الآلاف في “مليونية 30 نوفمبر” استجابة لدعوة المجلس الانتقالي الجنوبي. هذا الحضور الكثيف عكس حالة الوعي الشعبي الرافض للوصاية، ومؤشرًا قويًا على وحدة الموقف الجنوبي في حضرموت. رفع المشاركون أعلام الجنوب وشعارات تطالب برحيل القوات الشمالية وتمكين أبناء الوادي من إدارة أمنهم.

ألقى الأستاذ علي الكثيري، رئيس الجمعية الوطنية، كلمة أكد فيها أن حضرموت ستظل بوابة الأمن والاستقرار للجنوب، مشيرًا إلى قرب انتهاء وجود القوات التي ارتكبت تجاوزات بحق الأهالي. كما نقل للجماهير تحيات الرئيس القائد عيدروس الزبيدي، مؤكدًا أن مشروع التحرير مستمر ولن يتوقف.

وكانت كلمة الأستاذ محمد صالح باتيس محطة بارزة، حيث شدد على أن الاحتشاد يمثل صوت حضرموت الحقيقي، وأن إرادة الناس أقوى من أي قوة تحاول سلخ الوادي عن محيطه الجنوبي. وانتقد استمرار وجود قوات المنطقة العسكرية الأولى، مشيرًا إلى ما سببته من انفلات أمني ومعاناة مستمرة للسكان.

وفي ختام الفعالية، صدر بيان جماهيري أكد على حق الجنوبيين في استعادة دولتهم، وعلى ضرورة إخراج القوات الشمالية من الوادي. كما جدد البيان التفويض الشعبي الكامل للرئيس عيدروس الزبيدي لاستكمال مسار التحرير.

“المستقبل الواعد”.. عملية التحرير التي أنهت ثلاثة عقود من الهيمنة

أعلنت القوات المسلحة الجنوبية عبر بيان رسمي للناطق المقدم محمد النقيب إطلاق عملية “المستقبل الواعد” لتحرير وادي وصحراء حضرموت. وجاءت العملية استجابة مباشرة لمطالب أبناء حضرموت وتنفيذًا لتوجيهات الرئيس عيدروس الزبيدي، في خطوة وصفت بأنها الأكثر حساسية منذ سنوات.

أوضح البيان أن العملية استهدفت طرد الميليشيات التابعة للمنطقة العسكرية الأولى والتنظيمات الإرهابية، إضافة إلى قطع خطوط تهريب السلاح الإيراني باتجاه الميليشيات الحوثية. وأكد أن القوات الجنوبية حققت النصر بعد معركة استمرت سنوات على المستويين السياسي والعسكري.

وبيّن البيان أن هذا النصر يشكل رافدًا لأمن المنطقة واستقرارها، كما أنه انتصار للحرب الدولية على الإرهاب. ورحب بانضمام عناصر كتيبة الحضارم والزملاء الجنوبيين في صفوف المنطقة العسكرية الأولى إلى القوات الجنوبية.

كما وجّه البيان رسالة تطمين لأهالي الشمال المقيمين في الجنوب، مؤكدًا أنهم في أمن وأمان، وأن المعركة ليست معهم، وإنما ضد الإرهاب وتنظيماته. وشدد على المضي بثبات نحو استكمال تحرير كامل تراب الجنوب العربي وبناء دولته الفيدرالية الحديثة.

لقاءات موسعة مع القبائل والشخصيات… تماسك الجبهة الداخلية

بعد عملية التحرير، تحرك المجلس الانتقالي الجنوبي على المستوى السياسي والاجتماعي لتعزيز الجبهة الداخلية في وادي حضرموت. عقد الأستاذ علي الكثيري سلسلة لقاءات مع مشايخ وأعيان وادي وصحراء حضرموت، الذين أعلنوا مساندتهم الكاملة للقوات المسلحة الجنوبية.

أكد الكثيري خلال هذه اللقاءات أن تماسك المجتمع يمثل أساس نجاح المرحلة المقبلة، خصوصًا مع بدء القوات الجنوبية بتثبيت الأمن في الوادي. وشدد على أن أبناء حضرموت عانوا طويلًا من وجود المنطقة العسكرية الأولى، وأن الوقت قد حان لتسليم إدارة الأمن لأبنائها.

كما زار الكثيري اللواء عبدالرحيم عتيق، أحد أبرز القيادات الحضرمية، الذي أشاد بانتصارات القوات الجنوبية وقدم رؤى لترسيخ الاستقرار. وشملت اللقاءات أيضًا مجلس قبائل آل كثير وحاضرة حضرموت وكِندة، حيث أكد شيوخ القبائل استعدادهم للتعاون الكامل مع القوات الجنوبية في تثبيت الأمن.

وناقشت هذه اللقاءات تشكيل لجان أمنية في مديريات الوادي والصحراء، لتعزيز التنسيق المجتمعي والأمني خلال الفترة القادمة، وضمان عدم عودة أي مظهر من مظاهر الانفلات السابق. إعادة الحياة.. وعودة المطار إلى العمل

ضمن جهود تطبيع الحياة، نفذ الأستاذ علي الكثيري زيارة ميدانية إلى مطار سيئون الدولي للاطلاع على جاهزيته التشغيلية، وذلك بتوجيهات من الرئيس عيدروس الزبيدي. وأكدت إدارة المطار أن الأضرار التي لحقت ببعض الأقسام طفيفة، وأن الفرق الفنية باشرت أعمال الإصلاح فورًا.

شدد الكثيري على ضرورة الإسراع في إعادة تشغيل المطار بالكامل، كونه شريانًا حيويًا لوادي حضرموت وسكانه. وأكد أن القوات المسلحة الجنوبية تتولى تأمين المطار ومحيطه، في خطوة تعزز عودة الحياة الطبيعية بعد سنوات من الاضطرابات الأمنية.

كما شملت جهود تطبيع الحياة زيارة الكثيري وباعوم لجرحى القوات الجنوبية في مستشفى سيئون العام، حيث اطلعا على مستوى الرعاية الصحية المقدمة لهم. وأشاد الكثيري بجهود الطواقم الطبية، مؤكدًا متابعة المجلس لأوضاع الجرحى وتلبية احتياجاتهم.

هذه الإجراءات المتتابعة ساهمت في تعزيز الثقة لدى المواطنين، وإعادة الروح إلى المؤسسات والمرافق الحيوية التي تأثرت خلال العقود الماضية.

نزولات ميدانية وتطمين المواطنين… باتيس يواصل المتابعة على الأرض

نفّذ الأستاذ محمد صالح باتيس، القائم بأعمال رئيس تنفيذية انتقالي حضرموت، نزولًا ميدانيًا إلى سوق سيئون العام للاطلاع على أوضاع المواطنين بعد التحرير. وخلال لقائه المباشر بالأهالي، أكد أن القوات المسلحة الجنوبية جاءت لخدمة المجتمع الحضرمي، وأنها تعمل على تثبيت الأمن ومنع أي عبث يمكن أن يؤثر على الحياة اليومية.

استمع باتيس إلى هموم المواطنين واحتياجاتهم، ولاحظ حالة الارتياح التي عبر عنها الأهالي بعد التحرير، سواء من حيث استقرار الحركة التجارية أو عودة الخدمات إلى وضعها الطبيعي. وأكد أن المرحلة المقبلة ستشهد مضاعفة الجهود لضمان استمرارية الأمن وتفعيل المؤسسات.

رافَق باتيس في الجولة عددٌ من قيادات الإعلام في انتقالي حضرموت، ضمن خطة شاملة لرصد احتياجات المجتمع ونقل صورة الواقع بشكل دقيق.

وتعكس هذه النزولات حرص القيادة المحلية على متابعة التطبيع الميداني، وإيصال رسائل الطمأنينة بعد التحولات الأخيرة.

تمثل أحداث وادي حضرموت خلال الأسابيع الماضية صفحة جديدة في تاريخ المنطقة، بداية من الحراك الشعبي في سيئون، مرورًا بعملية التحرير العسكرية، ووصولًا إلى توحيد الصفوف وتثبيت الأمن وتطبيع الحياة.

لقد أثبت أبناء حضرموت أنهم حجر الزاوية في مشروع التحرير الجنوبي، وأن مسار استعادة الدولة لا يمكن أن يتحقق دون مشاركتهم الفاعلة.

ومع تواصل الجهود السياسية والأمنية والخدمية، تبدو حضرموت اليوم أمام فرصة تاريخية لصياغة مستقبل جديد، يقوم على الاستقرار والشراكة والتمكين المحلي، في إطار مشروع وطني جنوبي تتكامل فيه الأدوار بين القيادة والشعب.