الصوت الجنوبي – تقرير خاص

في وقت تتكاثر فيه التحديات السياسية والأمنية في المشهد المحلي المعقّد، يواصل المجلس الانتقالي الجنوبي تثبيت حضوره كفاعل رئيسي لا يمكن تجاوزه، محققًا جملة من المكاسب السياسية والعسكرية التي أربكت خصومه، وأعادت خلط الأوراق على مستوى الجنوب واليمن عمومًا، بل وعلى مستوى التوازنات الإقليمية المرتبطة بالملف اليمني.

وخلال الفترة الماضية، برز المجلس الانتقالي بوصفه القوة الأكثر تنظيمًا وانضباطًا في الجنوب، مستندًا إلى قاعدة شعبية واسعة، وإلى حضور عسكري وأمني متماسك، مكّنه من إدارة ملفات شائكة تتعلق بالأمن، والاستقرار، والخدمات، والتمثيل السياسي، في ظل تراجع واضح لأداء المؤسسات الرسمية التابعة لمجلس القيادة الرئاسي.

واقع جديد يفرضه الانتقالي

فرضت التحركات السياسية والعسكرية للمجلس الانتقالي واقعًا جديدًا على الأرض، خصوصًا في محافظات الجنوب الاستراتيجية، حيث باتت القوات المسلحة الجنوبية تمثل حجر الزاوية في معادلة الأمن، سواء في مكافحة الإرهاب، أو تأمين الطرق الدولية، أو حماية المنشآت الحيوية، وهو ما انعكس في تحسن نسبي للأمن مقارنة بمناطق أخرى لا تزال تعاني من الفوضى.

هذه التحركات لم تكن محل ترحيب من خصوم المجلس، سواء من القوى المعادية لمشروع الجنوب، أو من أطراف داخل الشرعية ترى في صعود الانتقالي تهديدًا مباشرًا لنفوذها السياسي والاقتصادي. ومع ذلك، استطاع المجلس تحويل الضغوط إلى فرص، مستفيدًا من أخطاء خصومه، ومن حالة السخط الشعبي المتزايد تجاه الأداء الحكومي المتعثر.

ومع كل تقدم يحرزه المجلس الانتقالي، تتراجع السرديات التي حاولت تصويره كطرف مؤقت أو هامشي. كما أن فشل خصومه في كبح تمدده السياسي والعسكري دفعهم إلى تصعيد الحملات الإعلامية، ومحاولات التشكيك، وافتعال الأزمات، إلا أن هذه الجهود اصطدمت بواقع ميداني وسياسي مختلف.

في هذا السياق، قال المحلل السياسي محمد فرج إن ما يحققه المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم “ليس مجرد مكاسب مرحلية، بل تراكم استراتيجي لسنوات من العمل السياسي والعسكري المنظم”.

وأضاف فرج “للصوت الجنوبي” أن “أعداء الجنوب باتوا في حالة ارتباك حقيقي، لأنهم يواجهون كيانًا يمتلك قرارًا سياسيًا واضحًا، وقوة عسكرية منضبطة، وحاضنة شعبية صلبة، وهي معادلة لم تكن متوفرة سابقًا”.

وأشار إلى أن “المجلس استطاع كسر محاولات العزل السياسي، وفرض نفسه شريكًا أساسيًا في أي نقاش حول مستقبل اليمن، سواء قبل بذلك خصومه أم رفضوا”.

البعد الإقليمي والدولي

لم تعد تحركات المجلس الانتقالي محصورة في الإطار المحلي، بل امتدت إلى الفضاء الإقليمي والدولي، حيث نجح في إيصال رسائله إلى عواصم مؤثرة، مفادها أن تجاهل قضية الجنوب لم يعد خيارًا واقعيًا. هذا الحضور الخارجي، وإن كان حذرًا ومتدرجًا، أسهم في إرباك خصومه الذين راهنوا طويلًا على عزله دبلوماسيًا.

وتزامن ذلك مع إدراك متزايد لدى بعض الأطراف الدولية بأن الاستقرار في الجنوب يمر عبر شراكة حقيقية مع القوى الفاعلة على الأرض، وفي مقدمتها المجلس الانتقالي، لا عبر كيانات ضعيفة أو منقسمة.

وعلى مستوى الإعلام والشارع، خاض المجلس معركة لا تقل أهمية عن المعركة السياسية والعسكرية. فقد تمكن من تفنيد كثير من الحملات الموجهة ضده، مستندًا إلى وقائع ملموسة، وإلى خطاب سياسي أكثر اتزانًا مقارنة بخطاب خصومه القائم على التخوين والتهويل.

وفي هذا الإطار، قال الصحفي سعيد الحامد إن “اللافت في تجربة المجلس الانتقالي هو قدرته على الجمع بين العمل الميداني والخطاب الإعلامي، وهو ما أفقد خصومه القدرة على التأثير في الرأي العام الجنوبي”.

وأضاف الحامد “للصوت الجنوبي” أن “الشارع في الجنوب بات أكثر وعيًا، ولم يعد يتفاعل مع الحملات التي تفتقر إلى المصداقية، خصوصًا عندما تتناقض مع ما يلمسه المواطن على الأرض”.

وتحدث الحامد عن أن “الانتقالي نجح في تحويل كثير من الأزمات إلى أدوات ضغط سياسي لصالحه، في حين فشل خصومه في تقديم بدائل مقنعة أو حلول عملية”.

وبشأن محاولات استهداف المجلس عبر الأزمات الاقتصادية والخدمية، قال الحامد إن “تحميل الانتقالي مسؤولية إخفاقات تراكمت منذ سنوات لم يعد مقنعًا، بل انعكس سلبًا على الجهات التي تروّج لهذا الخطاب”.

معركة الاقتصاد والخدمات

رغم محدودية الإمكانات، دخل المجلس الانتقالي معركة الاقتصاد والخدمات، مدركًا أن كسب ثقة الشارع لا يتحقق بالشعارات فقط. وقد ظهر ذلك في مواقفه الضاغطة باتجاه إصلاحات نقدية، وفي تدخله السياسي لوقف الانهيارات المتسارعة للعملة، وفي كشفه المتكرر لملفات الفساد والعبث بالإيرادات.

هذه التحركات زادت من حدة التوتر مع أطراف مستفيدة من بقاء الوضع الاقتصادي هشًا، ما جعل الملف الاقتصادي أحد أبرز ساحات الصراع غير المعلن بين المجلس وخصومه.

ومع استمرار حالة الارتباك لدى أعداء الجنوب، تبرز عدة سيناريوهات للمرحلة المقبلة، أبرزها محاولة الالتفاف السياسي على مكاسب المجلس، أو السعي لاحتوائه بشراكات شكلية، أو التصعيد الإعلامي والأمني في بعض الجبهات. غير أن قدرة المجلس على إدارة هذه التحديات ستظل مرتبطة بمدى تماسك جبهته الداخلية، واستمراره في الحفاظ على ثقة الشارع.

ويجمع مراقبون على أن المجلس الانتقالي الجنوبي بات اليوم أمام فرصة تاريخية لترسيخ مشروعه، لكن هذه الفرصة لا تخلو من المخاطر، في ظل تشابك المصالح الإقليمية والدولية، واستمرار محاولات إضعاف أي مسار لا يخدم أطرافًا بعينها.