الصوت الجنوبي _ تقرير خـاص

رسمياً ”أحمد عوض بن مبارك رئيساً لمجلس الوزراء“. خبر نزل كالصاعقة على رؤوس الشعب الذين يتضورون جوعاً وفقراً وعوزاً، في ظل مجاعة جماعية تعيشها البلاد، وارتفاع جنوني ومستمر في أسعار السلع الغذائية وغيرها من أساسيات الحياة اليومية للأهالي، وذلك بسبب الانهيار المتواصل للعملة المحلية أمام بقية العملات.

تعيين ”بن مبارك“ رئيساً لمجلس الوزراء، جاء في 5 فبراير الجاري، مع استمرار أعضاء الحكومة في أداء مهامهم وفقاً لقرارات تعيّنهم. وكانت هناك حملات متواصلة على مواقع التواصل الاجتماعي، تطالب بضرورة تغيير رئيس الوزراء السابق معين عبدالملك، نتيجة لعدم تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية.

عدم تفاؤل الشعب خصوصاً من أصحاب الطبقة المتدنية، بتعيين ”بن مبارك“ رئيساً للوزراء، يعود إلى تاريخ الرجل وعمله السابق في الحكومة، حيثُ عرف عنه التودد للأطراف الدولية والإقليمية على حساب المصالح المحلية، وتقديم التنازلات من أجل المصالح الشخصية.

ثورة فبراير

ثورة 11 فبراير أو ما تسمى ”ثورة الشباب“ التي تصدرها حزب الإصلاح وجماعة الحوثيين وغيرهم، هي عبارة عن سلسلة من الاحتجاجات الشعبية اندلعت في اليمن 27 يناير 2011، منادية بإسقاط منظومة حكم الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح ومحاكمتهم.

في 11 فبراير، بدأت الاحتجاجات من جامعة صنعاء عاصمة اليمن بمظاهرات طلابية وأخرى لنشطاء حقوقيين نادت برحيل صالح. وقد كان رئيس الوزراء المعين مؤخراً ”بن مبارك“ أحد قيادات الثورة. وجاءت ضمن ما تسمى ”ثورة الربيع العربي“ لإسقاط حكام العرب.

الصحفي صلاح بن لغبر، قال في منشور له على منصة (X) رصده ”الصوت الجنوبي“: إنَّ ”ثورة 2011 في اليمن أفرزت مجموعة كبيرة من الرجال والنساء الذين تولوا مناصب في مختلف المؤسسات من الرئاسة إلى أصغر إدارة. وخلال سنوات قليلة قدم أولئك نموذجا فريدا في الاستعداد التام وغير المشروط للفساد، والتكسب غير المشروع، وبيع المواقف والذمم والولاءات“.

وأضاف بن لغبر: ”كان لهثهم السريع للثروة والمناصب واضحا، فقدموا للبلاد فئة لا مثيل لها في الانتهازية بكل أنواعها. لذلك لا تجد أحدا من قادة ساحات 2011 او أعضاء حوار موفنبيك انضم إلى جبهة قتال دفاعا عن البلاد حين استولت عليها عصابة الظلام“.

واسترسل: ”لقد قدمت ساحات التغيير وقاعات موفمبيك للبلاد الفئة الأكثر قابلية في تاريخ اليمن للفساد والبيع والشراء. كان أكبر سوق نخاسة سياسية في العصر اليمني الحديث، ولا يزال غالبيتهم في «فاترينات» الفنادق تحت العرض“.

قرار خارجي

في أكتوبر 2014 تم تكليف ”بن مبارك“ لرئاسة الوزراء للحكومة الانتقالية الجديدة، ولكنه اعتذر عن قبول المنصب بعد معارضة الحوثيين. وفي يناير 2015 تم اختطاف ”بن مبارك“ من قبل الحوثيين أثناء توجهه لتسليم مسودة الدستور اليمني الجديد، باعتباره أمين عام لجنة صياغة الدستور، وقد استمر اختطافه لـ 13 يوماً.

عضو الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، عمر باجردانة، اعتبر في تصريح خاص لـ ”الصوت الجنوبي“: إن ”قرار تعيين أحمد عوض بن مبارك رئيس للوزراء، قرار عابر للقارات، فهو قرار أمريكي من الدرجة الأولى، ويأتي اختيار بن مبارك تزامناً مع تعنت الحوثي وتصعيده وضربه لحركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر وباب المندب، ومن هذا المنطلق تم تعيين بن مبارك لتولي رئاسة الوزراء كون الحوثيين لا تجمعهم علاقة طيبة به، فعلاقته بهم متوترة وكان آخرها في العام 2015 الذي تم فيه اختطافه من قبلهم، ومن هذا المنطلق تم جلب الرجل للضغط على الحوثيين ومحاصرتهم سياسياً“.

الصحفي أحمد مقرم، هو الآخر أكد في تصريح خاص لـ ”الصوت الجنوبي“: إن ”اختيار بن مبارك في هذا التوقيت وفي هذا الظرف المعقد على الساحتين المحلية والإقليمية له مدلولاته السياسية والدبلوماسية، فله ارتباط وثيق بتداعيات وإفرازات المشهد الإقليمي الذي شهد متغيرات درامتيكية كبيرة خاصة التصعيد المتنامي في البحر الأحمر وباب المندب وتهديد الملاحة الدولية من قبل ضربات مليشيا الحوثي الارهابية على السفن وغيرها، فجاء تعيين بن مبارك ليتماهى مع القوى الإقليمية والدولية وتنفيذ العديد من الأجندات السياسية، نظرا لحساسية الموقع الجيوستراتيجي التي تتمتع بها بلادنا“.

تبادل أدوار

في يونيو 2014 تم تعيين ”بن مبارك“ مديراً لمكتب رئاسة الجمهورية. وفي يوليو 2015 تم تعيين بن مبارك سفيراً ومفوضاً فوق العادة في واشنطن. وفي ديسمبر 2020 عُيّن وزير الخارجية وشئون المغتربيين.

المحلل السياسي ياسر اليافعي، قال في منشور له على منصة (X) رصده ”الصوت الجنوبي“: ”كأن البلد لا يوجد بها كفاءات غير المجربين منذُ 2012 وكأن قدرها تدوير هؤلاء فقط“.

وتسآل اليافعي في منشوره: ”ماذا حقق بن مبارك في وزارة الخارجية حتى يقدر يعكسه في رئاسة الوزراء“. مضيفاً إنَّ: ”الوضع شديد التعقيد وتجاوز أصل المشكلة يضاعف الفشل والفساد“.

ويرى المحلل السياسي، إنَّ: ”الحل هو في حكومة مصغرة جنوبية خالصة مهمتها معالجة مشاكل الجنوب، وأخرى شمالية مهمتها معالجة مشاكل الشمال. غير كذا تكرار الأخطاء التي تم إرتكابها منذ العام 1990 وصلاً الى 1994 و 2012 ومن ثم 2015. معالجة الأخطاء بمزيد من الأخطاء يعني إستدامة الصراع“.

الصحفي أحمد مقرم، بيّن في تصريح خاص لـ ”الصوت الجنوبي“: إنَّ ”خطوة تعيين رئيس وزراء جديد في هذا التوقيت خطوة لامتصاص غضب الشارع فقط لا أقل ولا أكثر، ولن تأتي بأي جديد سوى المزيد من المتاعب والأعباء على الشعب وتغيير أدوار بين نفس الشخوص المعروفة، فهناك شخصيات وطنية وسياسية تتمتع بالخبرة والكفاءة لم تعطى حقها ونصيبها في اعتلاء وتنصيبها لرئاسة الوزراء“.

الوضع المعيشي

قال تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) العام الماضي، إن أكثر من (11) مليون طفل في اليمن بحاجة إلى مساعدات إنسانية، من بينهم (2.2) مليون يعانون من سوء التغذية الحاد. وكانت المنظمة الدولية قد أعلنت مطلع العام الماضي عن احتياجها العاجل إلى (484) مليون دولار لمواصلة استجابتها الإنسانية المنقذة لحياة الأطفال في اليمن خلال 2023.

ويذكر أن برنامج الأغذية العالمي أعلن حاجته العاجلة إلى (80) مليون دولار، حتى يتمكن من الاستمرار في تقديم المساعدات الغذائية المنقذة لحياة الأطفال في اليمن، وفي نهاية فبراير للعام الماضي، تعهدت الدول المانحة تقديم (1,2) مليار دولار لسكان اليمن، وهو ما أثار استياء منظمات الإغاثة الإنسانية التي كانت تطالب بأكثر من (4) مليارات دولار.

عضو الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، عمر باجردانة، قال في تصريح خاص لـ ”الصوت الجنوبي“: إنَّ ”بن مبارك لا يملك عصا سحرية لتحسين الأوضاع، فالوضع الاقتصادي مزري، و الوضع المعيشي أكثر سوءً، فالوضع بشكل عام يوم عن يوم يزيد تعقيد أكثر فأكثر، بسبب تصعيد الحوثي في البحر الأحمر وباب المندب، وأيضاً إلى الآن لا توجد أي جدية من قبل جميع الأطراف للخروج من الأزمة ومعالجة الوضع المأساوي الذي تمر به البلاد معالجة حقيقية، ولكن تحسين الأوضاع من خدمات وصرف رواتب واستقرار العملة؛ كلها تعتبر اختبار أمام رئيس الوزراء الجديد وتحدد نجاحه من فشله“.

فيما يرى الصحفي أحمد مقرم، في تصريح خاص لـ ”الصوت الجنوبي“: إنَّ ”لاتوجد استراتيجية واضحة المعالم من قبل رئيس الوزراء الجديد بخصوص الوضع الإقتصادي والمعيشي، وفك التعقيدات السياسية من هنا وهناك، لأن تلك الملفات الشائكة تحتاج استراتيجية مزمنة وجادة في حلحلة تلك القضايا الرئيسة، عدا ذلك فهو خداع ووهم للشعب ولا يقل فسادا عن سابقه معين“.