الصوت الجنوبي – تقرير خاص

تشهد الساحة الحضرمية توترات متصاعدة داخل أروقة حلف قبائل حضرموت الذي تأسس في أعقاب حادثة مقتل الشيخ سعد بن حبريش العليي عام 2013، ليُمثل رمزاً لوحدة الصف الحضرمي ومطالب أبنائه.

إلا أن هذا الكيان، الذي يُفترض أن يكون صوتًا جامعًا ومعبرًا عن تطلعات مختلف المكونات القبلية والاجتماعية في حضرموت، يواجه اليوم تحديات وجودية تهدد تماسكه ودوره، بسبب ما يصفه مراقبون وسياسيون وقيادات قبلية بـ”التفرد بالقرار” من قِبل رئيسه الحالي، الشيخ عمرو بن حبريش العليي، وسعيه لتسيير دفة الحلف وفقاً لحسابات ومصالح شخصية وسياسية ضيقة، على حساب الثقل السياسي والاجتماعي الذي يمثله الحلف وتطلعات أبناء حضرموت نحو استعادة دولتهم الجنوبية الفيدرالية المستقلة بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي.

النشأة والأهداف المهددة
انبثق حلف قبائل حضرموت من رحم حدث مأساوي وحاجة ملحة لتوحيد كلمة القبائل الحضرمية في مواجهة الظلم والتهميش، وللمطالبة بحقوق حضرموت وأبنائها.

في حديث “للصوت الجنوبي”، قال الناشط الحقوقي جمعان الشاطري: “اكتسب الحلف زخماً شعبياً وقبلياً كبيراً في بداياته، وشُكّل ليكون مظلة جامعة ومنصة قوية للتعبير عن الهوية الحضرمية والمطالبة بحقوق المحافظة في إطار أي تسوية سياسية قادمة”.

واضاف: “كنا كان يُنظر إليه على أنه قوة لا يستهان بها، قادرة على التأثير في المشهد السياسي والأمني ليس في حضرموت فحسب، بل في الجنوب واليمن ككل”.

وتابع: “لكن، ومع مرور الوقت، بدأت تظهر مؤشرات على انحراف مسار الحلف عن أهدافه التأسيسية. فبدلاً من أن يظل منبراً جامعاً يعكس التنوع القبلي والسياسي في حضرموت، ويركز على المطالب الجوهرية لأبنائها المتمثلة في الأمن والتنمية واستعادة الحقوق السياسية ضمن إطار الدولة الجنوبية، بدأ الحلف، تحت قيادة الشيخ عمرو بن حبريش، يتخذ مواقف وسياسات أثارت جدلاً واسعاً وشكوكاً حول الأجندات الحقيقية التي تحركه”.

تقويض ممنهج لدور الحلف
تتفق مصادر قبلية وسياسية متعددة في حضرموت تحدثت “للصوت الجنوبي” على أن الشيخ عمرو بن حبريش قد عمد إلى تهميش دور الهيئات القيادية داخل الحلف، وتحويل عملية صنع القرار إلى عملية فردية تخضع لحساباته ومصالحه الخاصة وعلاقاته مع قوى سياسية لا تخدم بالضرورة المصلحة العليا لحضرموت والجنوب.

وتشير هذه المصادر إلى أن العديد من القرارات والمواقف السياسية التي صدرت باسم الحلف لم تكن نتاج مشاورات حقيقية أو توافق بين مكوناته الرئيسية، بل كانت تعبيراً عن رؤية الشيخ بن حبريش ومن يدور في فلكه.

ويُتهم بن حبريش باستغلال منصبه كرئيس للحلف لتعزيز نفوذه الشخصي وبناء شبكة علاقات تخدم طموحاته السياسية، حتى لو كان ذلك على حساب وحدة الحلف وتماسكه.

ويرى الصحفي ياسين بافضل أن بن حبريش يميل إلى اتخاذ مواقف متذبذبة ومبهمة تجاه القضايا المصيرية، وخاصة فيما يتعلق بمستقبل حضرموت وعلاقتها بالمشروع الوطني الجنوبي الذي يقوده المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي.

وأضاف بافضل “للصوت الجنوبي”: “ففي الوقت الذي يتطلع فيه غالبية أبناء حضرموت إلى الانخراط بفعالية في مسيرة استعادة الدولة الجنوبية، يُنظر إلى مواقف الشيخ بن حبريش على أنها محاولة لإبقاء حضرموت في منطقة رمادية، أو ربط مصيرها بأجندات قوى مناوئة لتطلعات الجنوبيين، مستفيداً من منصبه في الحلف لإضفاء شرعية قبلية على تحركاته”.

الانشقاقات والخلافات الداخلية
لم يمر هذا التفرد بالقرار دون عواقب وخيمة على وحدة الحلف. فقد شهدت الفترة الأخيرة بروز خلافات وانقسامات واضحة داخل صفوفه، حيث عبرت شخصيات قبلية وازنة ومكونات أساسية في الحلف عن امتعاضها ورفضها لسياسات الشيخ بن حبريش الأحادية. وصل الأمر ببعض القيادات القبلية البارزة إلى تجميد عضويتها أو الانسحاب من اجتماعات الحلف، معتبرة أن استمرار الوضع الحالي يُفرّغ الحلف من مضمونه ويُفقده قيمته كإطار جامع.

هذه الانقسامات لا تضعف الحلف ككيان فحسب، بل تهدد بتقويض الثقل السياسي والاجتماعي الذي اكتسبته القبائل الحضرمية بفضل وحدتها النسبية في السنوات الماضية.

وتعليقا على ذلك، قال الشاطري “للصوت الجنوبي”: إن “حالة التشرذم التي بدأت تظهر داخل الحلف تخدم بشكل مباشر القوى التي تسعى لإضعاف حضرموت وإبقاءها ورقة مساومة في الصراعات الإقليمية والوطنية، وتحرمها من لعب دورها المحوري والطبيعي في إطار الدولة الجنوبية القادمة”.

المجلس الانتقالي الجنوبي
في مقابل هذا الوضع المربك داخل حلف قبائل حضرموت، يبرز المجلس الانتقالي الجنوبي كقوة سياسية وتنظيمية تمثل الإرادة الشعبية لأبناء الجنوب، بما في ذلك حضرموت، في استعادة دولتهم وهويتهم.

ويتبنى المجلس الانتقالي رؤية واضحة لمستقبل الجنوب كدولة فيدرالية تضمن حقوق جميع أبنائه ومحافظاته، وتمنح حضرموت مكانتها اللائقة كمحافظة محورية بثقلها التاريخي والجغرافي والاقتصادي.

وقد أكد المجلس الانتقالي مراراً وتكراراً على أهمية حضرموت ودورها الريادي في المشروع الجنوبي، وعمل على تعزيز التواصل وبناء الثقة مع مختلف المكونات السياسية والاجتماعية والقبلية في المحافظة. إن رؤية المجلس الانتقالي تقوم على الشراكة الحقيقية والتوافق الوطني الجنوبي، وهو ما يتناقض تماماً مع نهج التفرد والإقصاء الذي يمارسه الشيخ بن حبريش داخل حلف القبائل.

ويرى قطاع واسع من الحضارم أن مصلحة حضرموت العليا تكمن في الاصطفاف الواضح والصريح مع المجلس الانتقالي الجنوبي، باعتباره الحامل السياسي للمشروع الوطني الجنوبي والقادر على تحقيق تطلعاتهم في الحرية والكرامة والاستقلال. إن محاولات البعض، ومنهم الشيخ بن حبريش، لعرقلة هذا المسار أو خلق كيانات موازية أو اتخاذ مواقف ضبابية، لا تخدم سوى أعداء الجنوب وتطيل أمد الأزمة والمعاناة.

حضرموت أمام مفترق طرق
في سياق حديثه عن مستقبل المحافظة، قال بافضل: “اليوم، تقف حضرموت أمام مفترق طرق حاسم. فإما أن تستمر حالة الانقسام والتشرذم التي يغذيها التفرد بالقرار والمصالح الضيقة داخل بعض الأطر التقليدية مثل حلف القبائل في ظل قيادته الحالية، مما يضعف موقف المحافظة ويجعلها عرضة للتجاذبات والمساومات، وإما أن تتوحد كلمتها وتصطف خلف قيادتها السياسية الشرعية ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي، لتأخذ مكانها الطبيعي كقوة فاعلة ورائدة في بناء الدولة الجنوبية الفيدرالية المستقلة”.

وأضاف: “إن الثقل السياسي والاجتماعي لحضرموت وقبائلها أكبر من أن يتم اختزاله في قرارات فردية أو مصالح شخصية”.

وأردف: “على العقلاء والحريصين على مستقبل حضرموت داخل الحلف وخارجه أن يتداركوا الموقف، وأن يعيدوا للحلف دوره الجامع كإطار اجتماعي داعم للمشروع الوطني الجنوبي، أو أن يتجاوزوا الأطر التي أصبحت تعيق تطلعاتهم نحو الانخراط الكامل في مسيرة استعادة الدولة التي يمثلها ويقودها المجلس الانتقالي الجنوبي. إن مستقبل حضرموت ومستقبل الجنوب مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، والوحدة تحت راية المجلس الانتقالي هي السبيل الوحيد لضمان حقوق الجميع وتحقيق النصر المنشود”.