الصوت الجنوبي – تقرير خاص

يشهد وادي محافظة حضرموت، انفلاتاً أمنياً مستمراً منذ سنوات، رغم انتشار قوات كبيرة تابعة للمنطقة العسكرية الأولى المتمركزة بالمنطقة.

وحدثت العديد من عمليات الاغتيال في وادي حضرموت على مدى الفترة الماضيةسنوات طال بعضها مسافرين مدنيين. ولم يتم القبض على أي من مرتكبي جرائم الاغتيال هذه.

وتنتشر في مناطق الوادي العديد من الألوية التابعة للمنطقة العسكرية الأولى. وتملك هذه القوات نقاطاً عسكرية وأمنية في مناطق عدَّة. ولم تمنع هذه النقاط حصول بعض الجرائم بجوارها.

وسجّلت مديريات الوادي منذ العام 2015 وحتى العام 2020 ما يربو على 300 حالة اغتيال وقتل وخطف، قُيّدت جميعا ضد مجهول.

تغييرات لا تلبي التطلعات

ويوم الثلاثاء الماضي، صدرت قرارات رئاسية بتعيين اللواء الركن صالح محمد الجعيملاني قائداً للمنطقة العسكرية الأولى، خلفًا للواء الركن صالح طيمس الذي يتهم بالتراخي مع الجهات الإرهابية.

وأصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي قرارا بتعيين صالح الجعيملاني قائداً للمنطقة العسكرية الاولى، قائداً للواء 37 مدرع، وترقيته الى رتبة لواء.

واطاحت القرارات الرئاسية ايضا بالعميد يحيى علي ابوعوجاء من رئاسة اركان المنطقة العسكرية الأولى.

فيما اعتبر سياسيون وناشطون جنوبيون “للصوت الجنوبي” أنَّ هذه القرارات لا تلبي تطلعات أبناء حضرموت وشعب الجنوب ولا تتناسب مع حجم التضحيات التي قدمها الشهداء.

وطالبوا عبر “الصوت الجنوبي” المجلس الانتقالي الجنوبي ممثلا بالرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية عضو مجلس القيادة الرئاسي بالتمسك بمطالبهم بطرد القوات الشمالية من وادي حضرموت واحلال قوة حضرمية بديلة عنها.

مقتل ضباط سعوديين
في نوفمبر المنصرم، أعلن المتحدث باسم قوات التحالف، العميد الركن تركي المالكي، مقتل ضابطين سعوديين وإصابة ثالث جراء “اعتداء غادر وجبان داخل معسكر لقوات التحالف في مدينة سيئون”، في محافظة حضرموت.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية (واس) عن المالكي إفادته بمقتل “ضابط وضابط صف وإصابة آخر بجروح”.

وقال المالكي، إن “الاعتداء الغادر وقع مساء يوم الجمعة… بمعسكر قوات التحالف الداعمة لقوات الشرعية لتدريبهم ومساندة قوات المنطقة العسكرية الأولى لمكافحة الإرهاب والتهريب بمدينة (سيئون) والقيام بمساندة الأعمال الإنسانية والتنموية داخل البلاد، وذلك أثناء ممارستهم للتدريبات الرياضية”.

وأضاف المالكي أنه “تم تنفيذ الاعتداء من أحد الأشخاص المنتسبين لوزارة الدفاع، مؤكدًا على أن المذكور لا يمثل الشرفاء من منسوبي وزارة الدفاع الذين يقدرون الدور الإيجابي والمهم الذي تقوم به قوات التحالف لدعم الشرعية ومساندة الأعمال الإنسانية لتخفيف معاناة الشعب”.

وأشار المتحدث باسم التحالف، الذي تقوده السعودية، إلى “وصول جثماني الشهيدين والمصاب إلى المملكة بعد أن تم إخلاءهم من الداخل” إلى السعودية.

قوات دخيلة 

يعزي الصحفي ماجد الخلاقي أسباب الانفلات الأمني بمناطق وادي حضرموت، إلى غياب أبناء المحافظة عن إدارة شؤونهم العسكرية والأمنية، ووجود الغرباء المتحكمين في ذلك.

وأضاف الخلاقي “للصوت الجنوبي”: إن “المسؤول عن الانفلات الأمني هي قيادة المنطقة العسكرية الأولى، والقيادات الأمنية الشماليّة المتحكّمة بالملفين العسكري والأمني في مناطق الوادي والصحراء”.

لكنَّ مسؤولين في سلطة الوادي يرون أنّه من غير الإنصاف تحميل المنطقة العسكريّة الأولى مسؤولية الكشف عن مرتكبي الجرائم.

 وقال وكيل حضرموت المساعد لشؤون مديريات الوادي والصحراء عبد الهادي التميمي، في تصريحات لوسائل الإعلام في وقت سابق إنَّ تحميل المنطقة الأولى مسؤولية الانفلات الأمني “مكايدة سياسية”.

في المقابل، اعتبر الخلاقي أنّ “العمليّات الإرهابية بوادي حضرموت لن تنتهي إلا إذا حلّت قوات النحبة والأمن الحضرمي محل قوات المنطقة العسكرية الأولى والقوات الأمنية”. وأشار الصحفي الحضرمي إلى أنَّ “تجربة ساحل حضرموت خير شاهد على إحلال والأمن والاستقرار في مناطقها”. 

اختطاف الأجانب 

في مارس 2022، أفادت مصادر محلية وصحفية بتعرض موظفين أجنبيين لدى منظمة “أطباء بلا حدود” للاختطاف في وادي حضرموت. 

ووفقاً لوكالة سبوتنيك، اعترض مجهولون سيارة الموظفين الألماني والمكسيكي أثناء مرورهما على الطريق الرابط بين منطقتي العبر والخشعة غرب حضرموت، واقتادوهما إلى جهة مجهولة.

وحدثت عملية الاختطاف هذه بين منطقتي العبر والخشعة حيث تنتشر عدد من نقاط المنطقة العسكرية الأولى، ولم تتضح هوية المختطفين، ولم تتبنَ أي جهة العملية. لكنَّ تقارير اتهمت تنظيم القاعدة بالوقوف خلف العملية. إلا أنَّ التنظيم لم يُعلن عن ذلك.

وتعليقاً على الموضوع، قال الصحفي سالم بن دهري “للصوت الجنوبي” “الأجهزة الأمنية تواصل لعب دور المتفرج أمام ما يحدث من عمليات قتل واختطاف”.

ولم يستبعد صحفيون من أبناء وادي حضرموت، تحدثوا “للصوت الجنوبي” أنَّ تكون عملية الاختطاف قد جرت “باتفاق بين المنطقة العسكرية الأولى والخاطفين. واتهم بعضهم المنطقة بانتماء الخاطفين لها.

في المقابل، رأى مسؤولون حكوميون أنّ هذه العمل ناجم عن “عدم وجود تنسيق بين الوفد الأجنبي والأجهزة الأمنية”. وقالت مصدر حكومي “للصوت الجنوبي”: “من منظوري الشخصي، كان يتوجّب على الوفد الذهاب في جولتهم مع حراسة أمنية، لتفادي أي مخاطر مُحتملة”.

وعن مكاسب عملية الاختطاف هذه، أضاف المصدر “الجماعات الإرهابية تنظر إلى الأجانب كوسيلة ضغط لتحقيق أهداف معيّنة”.

فيما اعتبر محللون سياسيون أنَّ “مثل هذه العمليّات تهدف إلى إشاعة أنّ مناطق الجنوب غير آمنة”. وقالوا إنَّ عملية الاختطاف هذه وعمليات الفوضى الأخرى “تأتي عندما تزور وفود أجنبية الجنوب”.

حملات قمعية  

قمعت قوات المنطقة العسكرية الأولى العديد من الفعاليات الجماهيرية السلمية لأبناء حضرموت خلال العامين الماضيين، كان آخرها فعالية “سيئون” في فبراير 22 التي طالبت برحيل قوات المنطقة.

كما استعملت هذه القوات الرصاص الحي، والضرب بأعقاب البنادق لثني المشاركين السلميين القادمين من كل أنحاء المحافظة. كما احتجزت عشرات الوفود في نقاطها، واستحدثت نقاطاً جديدة.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ فعالية سيئون تزامنت مع انقطاع خدمة الإنترنت بشكل مفاجئ على مناطق وادي حضرموت. واعتبرت مصادر جنوبية ذلك بمثابة إشارة للتنسيق بين الحوثيين المسيطرين على الاتصالات وقوات المنطقة الأولى.

إخراج المنطقة الأولى  

دعت قيادة الهّبة الحضرميّة في لقائها التشاوري المُنعقد في فبراير 2022، إلى سرعة تطبيق اتفاق الرياض وإخراج القوات الشمالية من مناطق الوادي. وحذّرت من انفجار الوضع بين المنطقة الأولى وأبناء الوادي.

ويُعتبر مطلب إخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى من حضرموت وإرسالها لجبهات القتال ضد الحوثيين أحد أبرز مطالب التصعيد الشعبي غير المسبوق بحضرموت، منذ أشهر. ويتوافق هذا مع دعوات المجلس الانتقالي الجنوبي.

ويتهم الانتقالي المنطقة بإيواء العناصر الإرهابية بوادي حضرموت. وكذلك الوقوف خلف جرائم الاغتيالات.

وحول ذلك، قال عبد الرحمن الجفري في تصريحات سابقة لوسائل الإعلام: “التحالف العربي مسؤول عمَّا يحدث في الوادي. نحن نطالب التحالف بسرعة تطبيق الجانب العسكري من اتفاق الرياض وإخراج هذه القوات من مناطق الوادي”.

واتهم القيادي بالمجلس الانتقالي سلطات وادي حضرموت بارتباطها مع المنطقة العسكرية الأولى لأجل “مصالح متبادلة”. واعتبر الجفري أنَّ موقف سلطات الوادي “سيء للغاية حتَّى الآن”. وأضاف، “جميع أبناء حضرموت يجمعون على رحيل المنطقة الأولى. المعارضون لهذا القرار الشعبي قلّة وهم مدعومون من قبل السلطة”.

وفي منتصف فبراير 2022، دعا المجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة حضرموت ألوية العمالقة الجنوبية للتدخل وإخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى.