الأربعاء, أبريل 16, 2025
الصوت الجنوبي – تقرير خاص
تشهد محافظة حضرموت، كبرى محافظات دولة الجنوب العربي، تصعيدًا ملحوظًا في التوترات السياسية والاجتماعية، بالتزامن مع اجتماع مريب دعا إليه حلف قبائل حضرموت برئاسة عمرو بن حبريش في منطقة الهضبة.
ويأتي هذا الاجتماع في ظل تفاقم الانقسامات الداخلية العميقة في صفوف الحلف، وتصاعد حدة الانتقادات الموجهة لقيادته، وعلى رأسها بن حبريش نفسه، على خلفية اتهامات بالانفراد بالقرار وتجاوز الأهداف المعلنة للكيان القبلي العريق.
وكشفت مصادر قبلية وسياسية مطلعة “للصوت الجنوبي” عن تصاعد موجة من الاستياء داخل أروقة الحلف، حيث يواجه بن حبريش، الذي يترأس الحلف، انتقادات متزايدة من قبل أطراف فاعلة في هيئة رئاسة الحلف، تتهمه بـ “اختطاف” الكيان القبلي وتحويله إلى أداة طيعة لخدمة أجندة شخصية، بعيدًا عن مبادئ الشورى والتمثيل الجماعي التي تأسس عليها الحلف.
وفي الوقت ذاته، قاد أعضاء بارزون في هيئة رئاسة الحلف تحركات جادة لعزل بن حبريش من منصبه، في مؤشر على عدم قبول سياسة التفرد بالقرارات من قبل بن حبريش التي عصفت بالحلف في هذه المراحل الحساسة.
زيارة فاشلة
تأتي هذه التطورات المتسارعة التي تشهدها حضرموت في أعقاب زيارة قام بها بن حبريش مؤخرًا إلى المملكة العربية السعودية، والتي وصفتها مصادر دبلوماسية بأنها لم تسفر عن أي دعم رسمي لحضرموت.
وبينما حاول بن حبريش، بحسب مقربين منه، تصوير الزيارة على أنها مؤشر ضمني على دعم سعودي لمساعيه في حضرموت، قالت مصادر سياسية وإقليمية أن المملكة العربية السعودية، كدولة محورية في المنطقة، تلتزم بدعم الحكومة المعترف بها إقليميًا ودوليًا، وتتعامل بحذر شديد مع أي تحركات أو مبادرات قد تقوض هذه الشرعية أو تساهم في تعميق حالة الانقسام السياسي في البلاد.
وفي هذا السياق، يشير الصحفي مبارك التميمي إلى أن منطق الدولة ومقتضيات العلاقات الدولية لا تسمح للمملكة، أو أي دولة أخرى فاعلة في الملف المحلي، بتجاوز واقع الشرعية القائمة في البلاد، والتي تتجسد في مجلس رئاسي يضم ثمانية أعضاء يمثلون مختلف الأطياف السياسية والمناطقية، وحكومة وزارية رسمية معترف بها دوليًا”.
وقال التميمي “للصوت الجنوبي”: “بالتالي، فإن أي رهان على دعم شخصيات أو كيانات تسعى لتجاوز هذا التكوين السياسي المعترف به، يعتبر مغامرة غير محسوبة العواقب، ويفتقر إلى الأسس الواقعية التي تستند إليها السياسة الدولية”.
يتفق حول ذلك الشيخ القبلي سالم المحمدي. وقال المحمدي “للصوت الجنوبي” إن “ما يقوم به عمرو بن حبريش في هذه المرحلة لا يخدم مصالح حضرموت وقضاياها المشروعة، بل يساهم في تعميق حالة الانقسام والتشتت في الصف الحضرمي، ويشوش على الصوت الحضرمي الموحد الذي تسعى النخب والشخصيات الحضرمية المخلصة إلى بلورته وتمثيله على النحو الأمثل”.
ويؤكد المحمدي أن الوقت قد حان لكي يتم تصحيح مسار “حلف قبائل حضرموت” وإعادته إلى مساره الصحيح، لكي يعود صوت القبيلة ممثلًا حقيقيًا لمطالب وتطلعات أبناء حضرموت، وليس مجرد واجهة لوهم أو مشروع شخصي لا يخدم المصلحة العامة.
تنظيم الإخوان في صف بن حبريش
في تطور لافت ومثير للجدل، أعلن حزب الإصلاح اليمني، عن دعمه الكامل للقاء الذي عقده بن حبريش . وجاء هذا الإعلان على لسان القيادي البارز في حزب الإصلاح بحضرموت، محمد بالطيف، أمين المكتب التنفيذي للتجمع اليمني للإصلاح بالمحافظة، الذي أشاد بـ “حلف قبائل حضرموت بقيادة عمرو بن حبريش ومن يقف خلفه من أبناء حضرموت”، معتبرًا أنهم “يرون أن تكون حضرموت طرفاً مستقلاً في أية معادلة قادمة وتسوية ربما باتت أقرب من أي وقت مضى”.
ويعكس هذا الدعم المعلن من حزب الإصلاح تحالفًا تكتيكيًا بين الطرفين، في ظل تعقيدات المشهد السياسي المتشابك، وتجاذبات القوى الإقليمية والمحلية المتنافسة.
كما أثارت تصريحات القيادي في حزب الإصلاح جدلاً واسعًا في الأوساط الحضرمية، حيث تفاخر بالشيخ عمرو بن حبريش، واصفًا إياه بـ “شخص ذكي وذكي جداً، يدرك اللحظة ويحسن استغلال الفرص”، معتبرًا أن تحركاته الحالية تهدف إلى تحقيق “مجد شخصي” و”مجد عام لحضرموت”.
كما أشار بالطيف في منشور له على صفحته في فيسبوك إلى أن “حركة ذكية من عمرو قد أحدثت زلزالاً مروعاً أرعب الجميع وبات يشمل كابوساً أمام طموحاتهم”، في إشارة واضحة إلى القوى الأخرى المنافسة.
وقد اعتبر مراقبون أن هذه التصريحات تعكس موقفًا رسميًا من حزب الإصلاح، ودعمًا واضحًا لتحركات بن حبريش الهادفة إلى “زعزعة أمن واستقرار المكلا خاصة، وحضرموت عامة”، بحسب تعبيرهم.
وبالنسبة له، يرى الكاتب السياسي صالح باهبري أن حزب الإصلاح يسعى من خلال هذا التحالف إلى تعزيز نفوذه في حضرموت، واستغلال حالة الفراغ السياسي والاجتماعي التي خلفتها التطورات الأخيرة، لتحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية في إطار الصراع الدائر على النفوذ والموارد في البلاد.
وأضاف “للصوت الجنوبي”: “لكن هذا التحالف يثير تساؤلات ومخاوف لدى أوساط سياسية ومجتمعية واسعة في حضرموت، تخشى من أن يكون له انعكاسات سلبية على مستقبل المحافظة واستقرارها، وأن يساهم في تعميق حالة الاستقطاب السياسي والاجتماعي، وربما يؤدي إلى تصعيد التوترات والصراعات”.
سخط مجتمعي
يتزامن هذا الجدل المحتدم حول قيادة “حلف قبائل حضرموت” مع حالة من السخط المجتمعي المتزايد في الأوساط الحضرمية، على خلفية دعوة الشيخ عمرو بن حبريش للاجتماع الذي عقد اليوم في منطقة الهضبة.
كما تنتشر في الأوساط المجتمعية انتقادات واسعة اللهجة، تتهم بن حبريش بـ “اختطاف” الحلف ومؤتمر حضرموت الجامع، والانفراد بالقرار بشكل مطلق، وتهميش دور المؤسسات القيادية في الحلف.
وتفيد مصادر محلية بأن الهدف المعلن للاجتماع هو منح بن حبريش الثقة مجددًا وتنصيبه “زعيمًا لحضرموت”، في خطوة يراها كثيرون محاولة لتكريس الأمر الواقع وتجاوز حالة الرفض المتصاعدة لقيادته.
وعبر الذين تحدثوا “للصوت الجنوبي” عن قلقهم من أن يؤدي هذا التحالف إلى تهميش القوى والمكونات الحضرمية الأخرى، وإقصائها من المشهد السياسي، وهو ما قد يؤدي إلى ردود فعل سلبية وتقويض الجهود الرامية إلى تحقيق التوافق في الصف الحضرمي.
ويرى المتحدثون أن حزب الإصلاح يسعى من خلال هذا الدعم إلى استغلال الوضع الراهن في حضرموت لتحقيق أهداف سياسية خاصة به، ربما على حساب استقرار المحافظة ومصالح أبنائها.
وفي سياق متصل بمحاولات حشد الدعم والتأييد لاجتماع الهضبة، تداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي صورًا ومقاطع فيديو لوفد من وجهاء ومشائخ محافظة أبين يزورون الهضبة، ويعلنون تأييدهم لتحركات بن حبريش.
وفي تعليقات مثيرة للسخرية، كتب أحد المؤيدين تعليقًا على هذه الزيارة، قال فيه: “أذّن في الناس ياعمرو، وبإذن الله تعالى يأتوك رجالآ وعلى كل ضامر، وسوف تأتيك وفود من كل محافظة ومن كل منطقة من مناطق الوطن”.
إلا أن اللافت في هذا السياق هو قيام المؤيدين بتسخير الآيات القرآنية وتسييسها حسب الأهواء، لتحقيق أهداف سياسية، بعيدًا عن سياقها الروحي والأخلاقي، بغرض الهيمنة والتلاعب بالعواطف، لحشد أكبر قدر من الناس حول بن حبريش في الهضبة.
وقد عبر الكثيرون عن استيائهم من هذه الممارسات، معتبرين أنها تشوه صورة الدين وتستغل المشاعر الدينية لتحقيق مكاسب سياسية دنيوية.
وفي ظل هذه التطورات السياسية المتسارعة، أعلنت الأجهزة الأمنية بمحافظة حضرموت، بالتزامن مع تحركات حلف قبائل حضرموت، عن ضبط خلية تضم ثلاثة أشخاص، بينهم امرأة، بحوزتهم متفجرات ومخدرات في مدينة المكلا.
ويأتي هذا الإعلان في ظل المخاوف المتزايدة من تدهور الوضع الأمني في المحافظة، وتصاعد وتيرة الجريمة المنظمة، بالتزامن مع الاحتقان السياسي والاجتماعي الراهن.
ويبقى المشهد في حضرموت ضبابيًا ومفتوحًا على مختلف الاحتمالات، وسط ترقب حذر لما ستسفر عنه التطورات المتسارعة، وتأثيرها على مستقبل المحافظة واستقرارها، في ظل حالة من الاستقطاب السياسي الحاد، وتجاذب المصالح الإقليمية والمحلية المتنافسة.
كما يُخشى من أن تؤدي هذه التوترات إلى مزيد من الانقسام والاضطراب في المحافظة، وتقويض الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.
أبريل 15, 2025
أبريل 15, 2025
أبريل 15, 2025
أبريل 15, 2025