الجمعة, يوليو 11, 2025
الصوت الجنوبي – تقرير خاص منذ قرابة سنة ومازالت حضرموت تعيش صراعًا داخليًا محتدمًا بدأ بين محافظ المحافظة مبخوت بن ماضي، والوكيل الأول عمرو بن حبريش، الذي يشغل أيضًا منصبي رئيس حلف قبائل حضرموت والمؤتمر الجامع، دون التوصل إلى حلول فعلية تفضي إلى إنهاء الأزمة التي طال أمدها وأثرت بشكل مباشر على المواطنين. ففي الـ..." />
الصوت الجنوبي – تقرير خاص
منذ قرابة سنة ومازالت حضرموت تعيش صراعًا داخليًا محتدمًا بدأ بين محافظ المحافظة مبخوت بن ماضي، والوكيل الأول عمرو بن حبريش، الذي يشغل أيضًا منصبي رئيس حلف قبائل حضرموت والمؤتمر الجامع، دون التوصل إلى حلول فعلية تفضي إلى إنهاء الأزمة التي طال أمدها وأثرت بشكل مباشر على المواطنين.
ففي الـ 29 من يوليو العام الماضي، وبعد وصول رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى مدينة المكلا عاصمة حضرموت بيومين، غادر بن حبريش المكلا متجهًا إلى هضبة حضرموت، التي عقد فيها بعد وصوله بيومين لقاءً استثنائيًا ببعض أعضاء حلف قبائل حضرموت، وخرج بعدد من القرارات، منها أن على رئيس مجلس القيادة الرئاسي الاعتراف بحق حضرموت وتفعيل دور الشراكة أسوة بالأطراف المشاركة في التسوية الشاملة في البلاد وغيرها من القرارات، وإعطاء مهلة 48 ساعة لتنفيذ مطالبهم وإلا سيسيطرون على الأرض والثروة في المحافظة.
احتواء الأزمة
في الـ 6 من مايو الجاري، قدم محافظ محافظة حضرموت مبخوت مبارك بن ماضي، مقترحًا إلى رشاد محمد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي، بشأن احتواء الأزمة في حضرموت بما يحفظ مكانة مؤسسات الدولة.
قال فيه: ”تمكنت شركة بترومسيلة مؤخرًا، وبنجاح مشهود، من إنتاج مادة المازوت من منشآتها النفطية، وهو إنجاز يمثل بداية ممكنة نحو تغطية محلية لاحتياجات الطاقة في محافظة حضرموت، وتخفيف الضغط عن المركز، إلا أن هذه الجهود واجهت تحديات ميدانية متمثلة في استمرار تقطعات من يسمون أنفسهم حلف القبائل في الهضبة، وفرضهم لحالة حصار فعلي على إنتاج ونقل المشتقات المنتجة، ما أفرغ هذا الإنجاز من أثره المباشر على الخدمة العامة وهو ما يهدد بتعطيل هذه المنجزات التقنية، ويعيد المشهد إلى مربع الأزمة.“
ويضيف: ”إن استمرار هذا الوضع لا يهدد فقط بقاء الخدمة، بل يستخدم سياسيًا في توسيع الفجوة بين المواطن والدولة، ولكون تحسين القدرة التوليدية للكهرباء، واستقرار جدول تشغيلها، أصبح مرهونًا بتجاوز هذه العقبة. ومن هذا المنطلق، نرى أهمية تدخل فخامتكم الحكيم لمعالجة الموقف بما يحفظ هيبة الدولة ويحترم خصوصية المكونات الاجتماعية، وفي ذات الوقت يؤمّن استمرارية المرافق الحيوية.“
ويسترسل: ”نقترح على فخامتكم دراسة إمكانية إنشاء صندوق لمحافظة حضرموت تحفظ فيه عائدات بيع مادة المازوت والديزل المنتج محليًا، على أن يُخصّص ريعه لقطاع الكهرباء وتحت إشراف رئاسي مباشر.
إنشاء صندوق
في الـ 8 من مايو الجاري، وجه مدير مكتب رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور يحيى محمد الشعيبي، خطابًا إلى عضو المجلس الرئاسي اللواء الركن فرج سالمين البحسني. وتضمن الخطاب تكليفه بالإشراف على الحل بما يسهم في الحفاظ على هيبة الدولة وتأمين استمرارية عمل المرافق الحيوية، واحتواء الأوضاع في المحافظة بما في ذلك دراسة إمكانية إنشاء صندوق لمحافظة حضرموت تحفظ فيه عائدات بيع مادة المازوت والديزل المنتج محليًا، على أن يُخصّص ريعه لقطاع الكهرباء تحت إشراف رئاسي مباشر.
بعدها بيومين أصدر عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء الركن فرج سالمين البحسني، توجيهات لقيادة السلطة المحلية بمحافظة حضرموت، بإنشاء صندوق خاص لتنمية المحافظة، يتم فيه حفظ عائدات بيع المازوت والديزل المنتج محليًا، وتوجيهها نحو خدمة التنمية وقطاع الكهرباء.
وأكد البحسني في توجيهاته أن هذه الخطوة تمثل تحولًا استراتيجيًا في إدارة موارد المحافظة، وتدشينًا لمرحلة جديدة من الحوكمة الرشيدة والعدالة المالية، مشددًا على ضرورة الالتزام بالشفافية والانضباط الكامل في إدارة المال العام.
وتضمنت التوجيهات الالتزام الكامل بإنشاء صندوق تنمية حضرموت، وتوريد كافة الموارد الناتجة عن بيع المازوت والديزل المنتج محليًا إلى هذا الصندوق، بالإضافة إلى حصة المحافظة من الموارد السيادية، دون استثناء أو تأخير، ومنع التصرُّف في أي مبالغ مالية من هذا الصندوق من قبل أي جهة داخل المحافظة، ونحمّل المخالف كامل المسؤولية القانونية والإدارية، على أن تُصرف قيمة المحروقات الخاصة بالكهرباء فقط، من خلال شيك شهري موقع من مدير الصندوق، ومدير مكتب المالية، ومِنّي شخصيًا، لضمان إحكام الرقابة وعدم تسرب الموارد.
متابعة بدقة
وشملت التوجيهات تكليف الجهات الرقابية الرسمية بمتابعة حركة المحروقات بدقة، بدءًا من منشآت “بترو مسيلة” حتى وصولها للجهات المستفيدة، ويُحاسَب كل من يثبت تقصيره أو تواطؤه في أي تجاوز، على أن يرفع مدير الصندوق تقريرًا نصف شهريًا مباشرًا إليه، يتضمن كافة تفاصيل الأداء والالتزام، ويعتبر هذا التقرير أداة رئيسية للتقييم والمساءلة، وأن يعمل الصندوق وفق الآلية التي سبق أن وجهنا بها، وعلى لجنة إدارة الصندوق الاجتماع فورًا لإعداد لائحة متكاملة، تُرفع إلى عضو مجلس القيادة الرئاسي للمصادقة عليها رسميًا.
وحدد اللواء الركن البحسني موعد بدء تنفيذ التوجيهات، ابتداءً من الـ 11 من مايو الجاري، موجهًا جميع الجهات المعنية بالمباشرة بمهامها فورًا، مشددًا على أن أي تهاون أو تقاعس سيواجه بإجراءات صارمة.
واختتم عضو مجلس القيادة الرئاسي البحسني توجيهاته بأن حضرموت لن تدار بعد اليوم بالارتجال أو بالتسَيُّب، وإن عهد الغموض في الموارد قد ولى، ونحن أمام مسؤولية تاريخية تتطلب من الجميع الالتزام والانضباط الكامل، فالوطن لا ينتظر المترددين، ولا يرحم المتقاعسين.
رفض بن حبريش
في الـ 11 من مايو الجاري، وهو اليوم الذي حدد فيه اللواء البحسني موعد مباشرة العمل في ”الصندوق“ من قبل الجهات المعنية، عقد بن حبريش اجتماعًا برئاسة اللجنة الأمنية واللجان الخاصة بالمرافق الخدمية التي شكلها مؤخرًا، وذلك بحضور عدد من أعضاء رئاسة الحلف.
وحث بن حبريش على الاهتمام بكل ما يهم المواطنين في خدماتهم والعمل على تجفيف بؤر الفساد والتأكد من المشتبهات التي يكون فيها الفساد مقترنًا ببعض الخدمات، وهي الأساليب الأكثر حداثة والمستخدمة من قبل ضعاف النفوس حد قوله.
وأكد ”أن حضرموت بمشروعها الحالي الذي يتبناه حلف قبائل حضرموت نحو تطبيق الحكم الذاتي هو هدفنا – كل أبناء حضرموت – ولا تراجع عنه مهما كلفنا ذلك من التضحيات ليعيش المجتمع معززًا مكرمًا على أرضه، وذلك بعد أن تجاوزت حضرموت أصحاب المشاريع الصغيرة والأطراف التي تستخدم اسم الدولة وتزج بمؤسساتها لتمرير أجنداتهم الخاصة واستمرار الفساد.“
كما أكد ”أن كل ما يُحاك من محاولات التفاف وتسويف لن يثنينا أو يغير الموقف في حضرموت، بل سيدفعنا نحو مزيد من التصعيد.“. وهي رسالة برفض قبول مبادرة احتواء الأوضاع في حضرموت وإنشاء صندوق حفظ عائدات بيع المازوت والديزل المنتج محليًا.
رد البحسني
في رد على رفض بن حبريش قال اللواء الركن البحسني في تصريح صحفي: ”انطلاقًا من توجيهات فخامة رئيس مجلس القيادة الرئاسي، وحرصًا على المعالجة الفاعلة للملف الاقتصادي في محافظة حضرموت فقد أصدرنا حزمة من التوجيهات، في مقدمتها إنشاء صندوق خاص للتنمية لحضرموت، والذي سبق أن أُعلن عنه في وقتٍ سابق.“
ويضيف: ”وإذ نؤكد أهمية هذه الإجراءات كخطوات عملية تهدف إلى تعزيز التنمية والاستقرار الاقتصادي في المحافظة، فإننا نُشدّد في الوقت ذاته على أن هذه الخطوة لا يجب أن تُفهم على أنها طمس لمطالب أبناء حضرموت أو التفاف عليها؛ فأي خطوة اقتصادية أو إدارية تُعتبر داعمة ومكملة لتطلعات أبناء حضرموت، وليست بديلًا عن أي شيء.“
ويسترسل: ”إن إنشاء الصندوق يُعَدّ خطوة مهمة وإيجابية، وفيها مصلحة لا ينكرها أحد، ويُؤَسَّس من خلالها لمصلحة حضرموت بدلًا من إهدار ثرواتها بسبب خلاف أو فساد، كما سيسهم في إنقاذ شركات حقول النفط في حضرموت من الانهيار.“
ويرى اللواء البحسني أن ”من الضروري أن نُوضّح أن المطالب المشروعة التي سبق الإعلان عنها، والتي اتُّخذت بشأنها قرارات واضحة من قِبل مجلس القيادة الرئاسي، يجب أن تأخذ مسارها الجاد نحو التنفيذ دون تأخير، ولدينا تواصُلات في هذا الشأن لحلحلة الصعوبات المتعلقة بها وترجمتها على أرض الواقع، ونثق بأن الجميع يحرص على مصلحة حضرموت.“
إصلاح الاختلالات
رئيس مركز المعرفة للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمر باجردانة يرى أن ”حل أزمة حضرموت يكمن في أن تمارس أطراف السلطة المحلية ممثلةً بالمحافظ والوكيل الأول القطبين الرئيسيين المتسببين في المشكلة الحاصلة في حضرموت والمستمرة منذ شهور مهامهما بشكل فعلي من داخل مؤسسات الدولة نفسها، وأن أي طرف يمتلك رؤية للتغيير والتحديث وانتشال المحافظة مما هي فيه يجب أن يكون العمل بهذه الرؤية من داخل مؤسسات ومرافق الدولة نفسها.“
وأكد باجردانة في تصريح خاص لـ ”الصوت الجنوبي“ أن ” أي إجراء يتم العمل عليه من خارج مؤسسات الدولة سيؤجج الأزمة أكثر ويضاعف من معاناة المواطنين بشكل أكبر، ويُعمّق المشكلة أكثر، وسيؤدي إلى دخول المحافظة في أتون الفوضى وعدم الاستقرار.“
وأشار باجردانة إلى ضرورة التفاف الحضارم حول السلطة المحلية في حضرموت، شريطة أن تقوم هذه السلطة بإصلاح كل الاختلالات الموجودة داخلها والتصرف من منطلق أنها سلطة تعبر عن الحضارم جميعهم دون استثناء، وتتصرف من ذهنية كونها سلطة تعبر عن الحضارم بشكل عام بكافة مشاربهم وانتماءاتهم والمسؤول الأول عن تحقيق الحياة الكريمة للحضارم، وحلحلة جميع المشاكل التي يعانون منها في كافة الأصعدة، والتخلي عن التصرف الضيق الذي تنطلق منه السلطة والتحيز في لحظة من اللحظات إلى قبيلة أو حزب أو شخص.
وحذر باجردانة من ما وصفه بـ ”السلوك الضيق“ وتحيز السلطة، الذي يعتبر هو السبب الرئيسي وراء ما نعانيه من أزمات في حضرموت اليوم، وهو السبب الرئيسي كذلك في كل الاختلالات التي أصابت السلطة بجميع أركانها بالخلل، وجعلتها سلطة عاجزة فاشلة غير قادرة على القيام بمسؤولياتها بشكل سليم وصحيح وغير معبرة عن طموح وتطلعات الحضارم.
تعزيز الاستقلالية
المحلل السياسي طاهر بازياد يرى أن إنشاء مجلس القيادة الرئاسي لصندوق دعم وتنمية حضرموت خطوة تحمل أبعادًا سياسية واقتصادية، قد يُنظر إليها من قبل البعض كخطوة نحو تعزيز الاستقلالية الإدارية والتنموية لحضرموت، خصوصًا وأن هناك توافقًا بين أبناء حضرموت على أن تُدار سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا من قبل أبنائها.
وقال بازياد في تصريح خاص لـ ”الصوت الجنوبي“ إن ”من المهم أن يكون الصندوق بتوافق واسع وتمثيل عادل لمختلف القوى والمكونات الحضرمية، والسبب يعود إلى تراكم الأزمة في حضرموت هو الفساد الذي ينخر وينهب المحافظة ومواردها عبر لوبي متوغل من مسؤولين رفيعي المستوى.“
ويضيف أن ”أهم الأسباب لإنشاء الصندوق لدعم وتنمية حضرموت غياب رؤية اقتصادية شفافة لدى الحكومة ولا توجد حتى الآن خطة واضحة أو آلية شفافة لكيفية إدارة الأموال التي تذهب للمركز، وهو ما يثير القلق حول مصير الموارد ومدى استفادة أبناء حضرموت فعليًا منها.“
العودة لباب اليمن
عضو مجلس المستشارين بالمجلس الانتقالي الجنوبي، الأستاذ عارف بن علي جابر قال: ”فكرة إنشاء صندوق استثماري لحضرموت ليست وليدة اللحظة، بل تعود لسنوات سابقة، ولكن كان من المفترض بعد إقرار الصندوق أن يتم رفده من قبل مجلس القيادة بمبلغ كبير يوضع في الصندوق، ويتم تحديد مصادر وإيرادات دعم الصندوق ونظامه الداخلي لإدارة الصندوق.“
وبيّن بن علي جابر في تصريح خاص لـ ”الصوت الجنوبي“ أن ”ما يجري اليوم في حضرموت من صراع وتباينات وتفريخ مكونات تهدف إلى تمزيق النسيج الاجتماعي الحضرمي وشق وحدة الصف الجنوبي، والإصرار على التفرد والتمرد بحضرموت لمشاريع صغيرة تسعى إليها هضبة حضرموت.“
ويضيف: ”ما يجري من صراع ليس له علاقة بالصندوق الاستثماري لحضرموت أو حقوقها أو معالجة أزمة كهرباء ساحل أو وادي حضرموت، بل تصب الأزمة المفتعلة حول «القدي» وأبعاد حضرموت وسلخها عن نسيجها الجنوبي والعودة بها مرة أخرى لباب اليمن.“
يوليو 10, 2025
يوليو 10, 2025
يوليو 10, 2025
يوليو 10, 2025