الصوت الجنوبي _ تقرير خــاص

تشهد المحافظات الجنوبية تدهورًا غير مسبوق في الأوضاع المعيشية والخدمية، ما يلقي بظلاله القاتمة على حياة المواطنين الذين يواجهون يوميًا تحديات جمة.

ففي ظل عجز الحكومة عن الإيفاء بالتزاماتها الأساسية تجاه السكان، وغياب أي مؤشرات جدية لمعالجات مستدامة، تتصاعد حدة الغضب الشعبي، لتتوج بخروج مظاهرات منددة، نسائية ورجالية، في العاصمة عدن وعدد من محافظات الجنوب.

هذه الأوضاع الكارثية دفعت بالمجلس الانتقالي الجنوبي إلى التحرك بشكل عاجل، معلنًا عن سلسلة من الإجراءات لمواجهة أزمة الكهرباء، وانهيار قيمة العملة المحلية، وتأخر صرف المرتبات، وتدني الوضع البيئي والصحي، في محاولة للتخفيف من معاناة المواطنين وتهيئة الأجواء لإصلاحات مستقبلية.

تدهور الأوضاع المعيشية والخدمية: واقع مرير

تعيش المحافظات الجنوبية واقعًا مريرًا يتميز بتدهور شامل في كافة جوانب الحياة الأساسية، فخدمة الكهرباء، التي تعد عصب الحياة اليومية، تشهد انقطاعات متواصلة لساعات طويلة، تصل في بعض المناطق إلى أكثر من عشرين ساعة يوميًا، ما يحول حياة السكان إلى جحيم، خاصة مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة.

يضاف إلى ذلك الانهيار المتسارع لقيمة العملة المحلية، حيث تجاوز سعر الدولار الأمريكي حاجز 2500 ريال يمني، ما أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعار السلع الأساسية وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين بشكل كبير.

لا تقتصر الأزمة على ذلك، فتأخر صرف المرتبات للموظفين الحكوميين، مدنيين وعسكريين، أصبح ظاهرة متكررة، ما يزيد من الأعباء المالية على الأسر ويدفعها نحو الفقر المدقع، كما يعاني الوضع البيئي والصحي من تدنٍ ملحوظ، مع غياب شبه تام للخدمات الأساسية في هذا القطاع، ما يهدد بانتشار الأوبئة والأمراض.

هذا التدهور الشامل في الخدمات، وسط غياب واضح لأي معالجات فعلية من قبل الحكومة، يترك المواطنين في حيرة ويأس، ويؤكد عجز الجهات المسؤولة عن القيام بواجباتها.

احتجاجات شعبية متصاعدة: صوت الشارع

لم يعد المواطنون في المحافظات الجنوبية قادرين على تحمل هذا الواقع المزري، فخرجوا إلى الشوارع في مظاهرات احتجاجية متصاعدة، مطالبين بتحسين أوضاعهم المعيشية والخدمية.

وقد شهدت العاصمة عدن، على وجه الخصوص، موجة من الاحتجاجات النسائية والرجالية، حيث تظاهر الآلاف في ساحة العروض بمديرية خور مكسر، للتعبير عن رفضهم للانهيار الاقتصادي الحاد وتدهور الخدمات الأساسية.

وتداول ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر حجم الغضب الشعبي، حيث طالب المتظاهرون بتوفير الكهرباء والمياه وصرف المرتبات، وحل مشاكل التربويين، وانتشال العملة من الانهيار المتواصل.

هذه الاحتجاجات تعكس مدى اليأس والإحباط الذي يعيشه المواطنون. تقول “أم أحمد”، في حديثها الخاص «للصوت الجنوبي»: “لم نعد نتحمل.. الكهرباء مقطوعة، الماء لا يصل، وأسعار كل شيء ارتفعت، كيف نعيش؟”

وأشارت ”أم أحمد“، إلى أن الأوضاع في حضرموت لا تقل سوءً عن عدن وقد تخرج النساء إلى الشوارع للتظاهر والتعبير عن رفض هذه الأوضاع المعيشية والخدمية في أي لحظة، فالجميع يشتركون في المعاناة والعذاب.“

وتضيف “أم أحمد”، قائلة: ”زوجي موظف حكومي لم يتسلم راتبه منذ أشهر، والحكومة لا تبالي بمعاناتنا، وسنخرج إلى الشارع لأننا لم نعد نملك شيئًا نفقده.”

تحرك المجلس الانتقالي: استشعار للمسؤولية

في ظل هذا الوضع الكارثي، ومع تصاعد الغضب الشعبي، تحرك المجلس الانتقالي الجنوبي، مستشعرًا مسؤوليته أمام شعب الجنوب الذي فوضه.

ففي الـ 26 من مايو الجاري، ترأس الأستاذ علي عبدالله الكثيري، القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، رئيس الجمعية الوطنية، اجتماعًا طارئًا ضم قيادات بارزة من المجلس والحكومة والسلطة المحلية في العاصمة عدن، لمناقشة التدهور الخطير في الأوضاع المعيشية والخدمية.

أكد الاجتماع أن المجلس الانتقالي الجنوبي، بقيادته المفوّضة شعبيًا، لا يمكن أن يقف موقف المتفرج أمام المعاناة اليومية التي يعيشها المواطنون، نتيجة الانهيار المستمر في الخدمات الأساسية، وعلى رأسها الكهرباء، وانهيار قيمة العملة المحلية، وتأخير صرف المرتبات، وتدني الوضع البيئي والصحي.

وشدد المجتمعون على أن الواجب الوطني والأخلاقي يُحتّم اتخاذ مواقف عملية لمواجهة هذا الوضع الكارثي، الذي ينذر بخروج الأمور عن السيطرة، مؤكدين أن اللحظة تتطلب شجاعة في المكاشفة وجرأة في اتخاذ القرار، وانحيازًا صادقًا لمعاناة المواطنين، بعيدًا عن أي حسابات أخرى.

إجراءات عاجلة.. ومعالجات استراتيجية

في ضوء هذا التقييم الصريح للوضع، قرر الاجتماع اتخاذ جملة من الإجراءات العاجلة، في إطار استشعار المجلس الانتقالي الجنوبي لمسؤوليته أمام شعب الجنوب وهي:

تشكيل لجنة طوارئ: تكون في حالة انعقاد دائم، وتضم ممثلين عن المجلس والحكومة والسلطة المحلية في العاصمة عدن. تتولى هذه اللجنة متابعة الأوضاع على الأرض أولاً بأول، وتقديم تقارير يومية للرأي العام حول المستجدات، بما يضمن الشفافية ويعزز الثقة الشعبية بالتحركات الجارية لمعالجة الأزمات.

توجيه رسالة رسمية للجهات الدولية: إلى مجلس الأمن الدولي، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة، والدول الراعية للعملية السياسية (المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات العربية المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة). تهدف هذه الرسالة إلى وضع هذه الجهات أمام حجم المعاناة التي يواجهها المواطنون، ومطالبتهم بتحرك دولي عاجل لمعالجة جذور الأزمة، وضمان تدخل فعال للحد من التدهور القائم.

توصية بإلغاء الفعاليات غير الضرورية: رفع الاجتماع توصية لرئيس المجلس الانتقالي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، بإلغاء أي فعاليات سياسية أو احتفالية غير ضرورية، سواء للمجلس الانتقالي أو للسلطات المحلية، وتوجيه عائداتها المالية لدعم الجوانب الإنسانية والخدمية، بما يسهم في التخفيف من معاناة المواطنين في هذه المرحلة الحرجة.

وشدد الاجتماع على أن هذه الإجراءات التي تم إقرارها لا تتعارض مع أي خطوات استراتيجية يجري الإعداد لها على المدى البعيد، بل تمثل أساسًا لتعزيز الثقة الشعبية، وتهيئة الأجواء لأي إصلاحات قادمة.

أوضاع معيشية وخدمية حرجة: تحرك فوري

المواطن سامح بن عبدون، أكد في تصريح خاص لـ «الصوت الجنوبي»: أن ”الأوضاع المعيشية والخدمية في المحافظات الجنوبية وصلت إلى مستويات حرجة، ما يستدعي تحركًا جادًا وفوريًا من كافة الأطراف المعنية.“

ووجه بن عبدون، نداء عاجل إلى الجميع مجتمع دولي وأقليمي ودول رباعية وحكومة وانتقالي، بسرعة التحرك وأنقاذ الشعب من ما يتعرضون له من عذاب جماعي، وحرب اقتصادية وانهيار في الخدمات لا يمكن السكوت عنه.

وأشار بن عبدون، إلى أن عجز الحكومة عن الإيفاء بالتزاماتها، وغياب الحلول المستدامة، قد فاقم من معاناة المواطنين ودفعهم إلى التعبير عن غضبهم عبر الاحتجاجات.

وأشاد بن عبدون، بتحرك المجلس الانتقالي الجنوبي واستجابته للضغط الشعبي وشعوره بمعاناة المواطنين، ومحاولته تقديم حلول عملية لتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين.

ختامًا.. يبقى الأمل معقودًا على أن تسفر هذه الإجراءات، عن معالجات حقيقية ومستدامة، تنهي هذا الواقع المزري وتفتح آفاقًا لمستقبل أفضل لأبناء المحافظات الجنوبية.