الصوت الجنوبي – تقرير خاص

تتصاعد حالة من الغليان الشعبي في مدن الجنوب، وتتعالى معها أصوات الجوعى المطالبة بإعلان الإدارة الذاتية، في خطوة تبدو ضرورية لإنقاذ الجنوب من انهيار اقتصادي وخدمي شامل، في ظل الفشل الممنهج لمجلس القيادة الرئاسي في الإدارة.

بعد أكثر من ثلاث سنوات على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، تبدو الأوضاع في العاصمة عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى أكثر قتامة من أي وقت مضى.

ويشكو السكان من انقطاع التيار الكهربائي لساعات تتجاوز العشرين ساعة يومياً في ظل درجات حرارة لاهبة، وانهيار شبه تام للخدمات الصحية والتعليمية، وتدهور تاريخي في قيمة العملة، فضلاً عن توقف صرف رواتب الموظفين الحكوميين والعسكريين لعدة أشهر، مما يدفع بملايين السكان نحو حافة الفقر المدقع.

هذا الواقع المتردي يضع المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يمتلك القوة العسكرية والأمنية الأبرز على الأرض في الجنوب، أمام رغبة ملحة ومتزايدة من قاعدته الشعبية لاتخاذ إجراءات مصيرية. لا سيما مع بدء نفاذ صبر قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي أصلا، وما يمكن اعتباره “تعطيلاً متعمداً” من قبل أطراف داخل مجلس القيادة الرئاسي لجهود الإصلاحات، وعجزاً منها عن الوفاء بأبسط التزاماته تجاه المواطنين.

مسؤولية الرئاسي اليمني

يرى محللون سياسيون تحدثوا “للصوت الجنوبي” أن جوهر الأزمة يكمن في البنية غير المتجانسة لمجلس القيادة الرئاسي نفسه، والذي تم تشكيله كتسوية سياسية.

ويقول المحلل السياسي الجنوبي، صلاح محمود “للصوت الجنوبي”: “لقد راهن الجنوبيون على اتفاق الرياض ومخرجاته، بما في ذلك مجلس القيادة الرئاسي، لكن الرهان خسر. المجلس الرئاسي، الذي يفترض به أن يكون هيئة توافقية لإدارة المرحلة، فشل في تحقيق الحد الأدنى من مهامه. الفساد المستشري في مؤسسات الدولة وغياب الإرادة السياسية لدى بعض مكونات المجلس حالا دون تنفيذ أي إصلاحات حقيقية”.

ويضيف محمود: “المسؤولية تقع بشكل مباشر على عاتق رئاسة المجلس التي لم تستطع توفير الخدمات الأساسية أو إدارة موارد الدولة بكفاءة. في المقابل، يرى الشارع أن المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي نجحت قواته في تأمين الأرض ومحاربة الإرهاب، هو الوحيد القادر على إدارة المرحلة بكفاءة لو مُنحت له الصلاحيات الكاملة”.

ويعزز هذا الطرح الأداء الأمني والعسكري للقوات التابعة للمجلس الانتقالي، والتي يُنظر إليها على نطاق واسع في الجنوب على أنها القوة الوحيدة المنضبطة والفعالة.

فقد نجحت هذه القوات، بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة، في طرد تنظيم القاعدة من معاقله في محافظتي أبين وشبوة وساحل حضرموت، وتواصل جهودها لتأمين عدن وبقية المناطق في الجنوب، في حين يُتهم خصومها داخل “الشرعية” بالارتباط بجماعات متطرفة أو بإعاقة جهود مكافحة الإرهاب.

الإدارة الذاتية

تعود فكرة إعلان الإدارة الذاتية إلى الواجهة بقوة، مستحضرة تجربة أبريل 2020 عندما أعلن عنها المجلس الانتقالي. ورغم أن تلك الخطوة قوبلت حينها برفض إقليمي ودولي، إلا أنها أجبرت الأطراف على العودة إلى طاولة المفاوضات وأدت إلى تسريع .

ويقول مؤيدو المجلس إن الوضع الحالي أسوأ بكثير مما كان عليه في عام 2020، وإن الإدارة الذاتية لم تعد خياراً تكتيكياً، بل أصبحت “ضرورة وجودية” لإنقاذ الجنوب.

الصحفي سالم اليافعي، يصف “للصوت الجنوبي” نبض الشارع قائلاً: “حالة السخط وصلت إلى مستويات غير مسبوقة. الناس في عدن وحضرموت وشبوة فقدوا الثقة تماماً بالحكومة اليمنية وبمجلس القيادة. السؤال الذي يتردد في كل مكان هو: متى سيتم الإعلان عن هذه الخطوة؟”

ويشير اليافعي إلى أن “تجربة الإدارة الذاتية السابقة أثبتت أن المجلس الانتقالي يمتلك الكوادر والقدرة على إدارة الموارد المحلية بشكل أفضل. خلال تلك الفترة، تمكن المجلس من السيطرة على بعض الموانئ والمؤسسات الإيرادية، مما ساهم في تحسين الوضع الأمني وتوفير بعض الخدمات بشكل مؤقت. هذا يعطي مؤشراً على ما يمكن تحقيقه لو تم تمكينه بالكامل”.

الإرادة الجنوبية تفرض نفسها

من المرجح أن تثير مثل هذه الخطوة قلق الشركاء الإقليميين والدوليين، لكن شعب الجنوب يردون على هذه المخاوف بأن الوضع الراهن هو الذي يقوض جهود السلام. ويقولون إن حكومة عاجزة وفاسدة لا يمكن أن تكون شريكاً موثوقاً في أي تسوية سياسية مستقبلية.

وفي هذا السياق، يقول المحلل صلاح محمود: “على المجتمع الدولي أن يعيد تقييم أولوياته. ما الفائدة من الحفاظ على وحدة شكلية لهيكل سياسي فاشل على حساب استقرار حياة الملايين؟ إن وجود إدارة جنوبية قوية ومستقرة وفعالة في خدمة مواطنيها هو الضمانة الحقيقية لشراكة استراتيجية في مكافحة الإرهاب وتأمين ممرات الملاحة الدولية في باب المندب وخليج عدن”.

ويضيف أن “الإدارة الذاتية ليست بالضرورة خطوة نحو تفكيك الدولة، بل قد تكون خطوة ضرورية لإصلاح الوضع، مما يعزز في نهاية المطاف الموقف التفاوضي المناهض للحوثيين برمته”.

وفي المحصلة، يبدو أن المجلس الانتقالي الجنوبي يقف عند مفترق طرق حاسم. فبينما يظهر ضبط نفس استراتيجي للحفاظ على الشراكة الهشة، تتزايد الضغوط الشعبية وتدفعه نحو خيار قد يراه الكثيرون في الجنوب طوق النجاة الأخير.

ويترقب الشارع الجنوبي وشعب الجنوب على حد سواء الخطوة التالية للرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، والتي من المرجح أن تعيد تصحيح المسار.