الصوت الجنوبي – تقرير خاص

في خضم مشهد سياسي وإنساني بالغ التعقيد، تبرز تحركات سياسية ودبلوماسية مكثفة يقودها الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، والتي ترسم ملامح مرحلة جديدة من العمل المؤسسي المنظم الذي يهدف إلى تثبيت قضية شعب الجنوب على الخارطة الدولية، وتأمين متطلباته الأساسية في ظل ظروف استثنائية.

هذه الجهود، التي انطلقت من العاصمة السعودية الرياض، لا تقتصر على الداخل فحسب، بل تمتد لتشمل حراكاً خارجياً نشطاً يعكس رؤية استراتيجية واضحة تسعى لانتزاع الاعتراف بحقوق الجنوبيين المشروعة وبناء شراكات دولية فاعلة.

على مدار الأسابيع القليلة الماضية، استقبل الرئيس الزُبيدي سلسلة من السفراء وممثلي الدول الكبرى والمنظمات الدولية. لم تكن هذه اللقاءات بروتوكولية عابرة، بل حملت في طياتها نقاشات معمقة حول ملفات حيوية تمس صميم حياة المواطن الجنوبي ومستقبل المنطقة برمتها، بدءاً من الأوضاع الاقتصادية والخدمية المتردية، ومروراً بالتنسيق الأمني والعسكري، وصولاً إلى مستجدات العملية السياسية المتعثرة.

دبلوماسية متعددة الأقطاب

تجلت أبرز ملامح هذه الدبلوماسية في اللقاءات الهامة التي عقدها الرئيس الزُبيدي مع ممثلي القوى الفاعلة في المشهد الدولي. حيث بحث مع القائم بأعمال السفير الأمريكي، تطورات الأوضاع السياسية والأمنية، مؤكداً على أهمية دعم جهود السلام والاستقرار الاقتصادي. هذا اللقاء يعكس الحرص على استمرار التنسيق مع واشنطن، الشريك الأساسي في مكافحة الإرهاب وتأمين الملاحة الدولية في باب المندب وخليج عدن، وهي ملفات يضطلع فيها الجنوب بدور محوري.

وفي سياق متصل، جاء لقاؤه مع السفيرة البريطانية ومسؤولي البنك الدولي ليلامس أكثر القضايا إلحاحاً، وعلى رأسها أزمة الكهرباء الخانقة. حيث تم التأكيد على ضرورة إيجاد حلول عاجلة لهذه الأزمة التي تثقل كاهل المواطنين، وهو ما يوضح أن القيادة الجنوبية تضع معاناة شعبها على رأس أولوياتها في كل محفل دولي.

كما التقى الرئيس الزُبيدي السفيرة الفرنسية، حيث جدد التأكيد على موقف المجلس الانتقالي الثابت والرافض لأي انخراط في مفاوضات سياسية مع ميليشيا الحوثي المصنفة دولياً كجماعة إرهابية، معتبراً إياها تهديداً حقيقياً لأمن المنطقة والعالم.

هذا الموقف الحازم ينسجم مع الرؤية التي يطرحها المجلس الانتقالي، والتي تقوم على ضرورة مواجهة التهديد الحوثي عسكرياً وسياسياً، بالتوازي مع الدفع بمسار سياسي يضمن حلاً عادلاً للقضية الجنوبية، باعتبارها مفتاح الاستقرار الشامل في اليمن والمنطقة.

وتعليقاً على هذا الحراك الدبلوماسي، قال الكاتب السياسي الجنوبي، صالح العكبري، إن “ما يقوم به الرئيس الزُبيدي هو ترجمة عملية لتطلعات شعب الجنوب، ونقل قضيته من الإطار المحلي إلى الساحة الدولية بصفة رسمية ومباشرة”.

وأضاف العكبري “للصوت الجنوبي”: “هذه اللقاءات ليست مجرد اجتماعات، بل هي عملية بناء ثقة وتأسيس لشراكات استراتيجية. الرئيس الزُبيدي يستخدم موقعه في مجلس القيادة الرئاسي بذكاء لخدمة الهدف الأسمى، وهو استعادة دولة الجنوب، وفي الوقت ذاته، يعمل على تخفيف معاناة الناس وتحسين الخدمات، وهذا يثبت للعالم أن قيادة الجنوب قادرة على تحمل المسؤولية وإدارة الدولة بفاعلية”.

شراكات إقليمية

لم تقتصر جهود الرئيس الزُبيدي على القوى الغربية، بل امتدت لتشمل الشركاء الإقليميين والآسيويين. فقد أكد في أكثر من مناسبة على محورية دور دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، في دعم جهود إعادة الاستقرار إلى بلادنا.

هذه العلاقة المتينة مع الأشقاء في الخليج تعتبر حجر الزاوية في استراتيجية المجلس الانتقالي، نظراً للروابط التاريخية والمصالح المشتركة.

وعلى الصعيد الآسيوي، بحث الرئيس الزُبيدي مع سفير جمهورية الهند آفاق التعاون المشترك في الجوانب الأمنية والخدمية، مما يفتح الباب أمام الاستفادة من الخبرات الهندية في مجالات حيوية.

كما ثمن عالياً التدخلات الإنسانية لجمهورية كوريا الجنوبية، التي ساهمت في التخفيف من المعاناة الإنسانية لشعبنا، في لفتة تعكس تقديراً لكل يد تمتد للمساعدة. وتكتمل الصورة بلقائه مع السفير الأسترالي، الذي ركز على سبل دعم تنفيذ الإصلاحات الشاملة في مؤسسات الدولة، وهو ما يؤكد على رؤية المجلس الانتقالي لبناء دولة مؤسسات حديثة وقوية.

وفي هذا الشأن، قال الصحفي خالد العامري “للصوت الجنوبي”: “إن تنويع الشراكات الدولية الذي ينتهجه الرئيس الزُبيدي يعكس فهماً عميقاً لطبيعة العلاقات الدولية المعاصرة.

الجنوب اليوم لا يضع كل بيضه في سلة واحدة، بل يبني جسوراً مع الشرق والغرب، من واشنطن وباريس إلى نيودلهي وسيول”.

وأشار العامري إلى أن “هذا الحراك يبعث برسالتين واضحتين: الأولى موجهة للمجتمع الدولي، ومفادها أن المجلس الانتقالي الجنوبي هو الممثل الشرعي والفاعل على الأرض، ويمتلك رؤية سياسية واضحة للمستقبل. والرسالة الثانية موجهة لشعب الجنوب، وتؤكد أن قيادتهم تعمل بجد في كل الاتجاهات من أجل تحقيق تطلعاتهم في الحرية والكرامة واستعادة دولتهم”.

متطلبات الدولة ومسؤوليات الشراكة

إن التحركات الدبلوماسية للرئيس عيدروس الزُبيدي تضعه في قلب معادلة معقدة، فهو يعمل من خلال موقعه كنائب لرئيس مجلس القيادة الرئاسي على الوفاء بالتزامات الشراكة الإقليمية والدولية لمواجهة الانقلاب الحوثي، وفي الوقت نفسه، يقود نضالاً وطنياً جنوبياً لتحقيق هدف استراتيجي يتمثل في استعادة الدولة.

هذه الازدواجية في الأدوار تتطلب حكمة سياسية وقدرة فائقة على المناورة، وهو ما أثبت الرئيس الزُبيدي امتلاكه له حتى الآن.

إن تركيزه المستمر على الملفات الخدمية، ودعمه لجهود الإصلاح الاقتصادي، ومطالبته بحلول عاجلة لأزمة الكهرباء، بالتوازي مع تمسكه بالثوابت السياسية للقضية الجنوبية، يؤكد أن قيادة المجلس الانتقالي تتبنى نهجاً واقعياً يوازن بين متطلبات الحاضر وتطلعات المستقبل.

في المحصلة، يمكن القول إن الجهود المكثفة التي يبذلها الرئيس الزُبيدي وفريقه تمثل استثماراً سياسياً طويل الأمد، يهدف إلى حشد الدعم الدولي، وتعزيز الموقف التفاوضي للجنوب، وتهيئة الظروف المواتية لتحقيق الهدف الذي ضحى من أجله الآلاف من الشهداء والجرحى: بناء دولة جنوبية فيدرالية مستقلة، تكون شريكاً فاعلاً في محيطها الإقليمي والدولي، وعنصراً للاستقرار والسلام في المنطقة.