الصوت الجنوبي – تقرير خاص

مثّلت المهرة، لعقود، ملاذًا آمنًا ومحافظة مستقرة، وبوابة الجنوب الشرقية نحو العمق الإقليمي. لكن التطورات الأخيرة، لا سيما ما جرى في 8 يوليو الجاري، أظهرت حقيقة مرعبة ظلّ كثيرون يغضّون الطرف عنها، وهي أن المهرة باتت مستهدفة ضمن مشروع تخريبي مشترك بين الحوثيين والإخوان، عنوانه تقويض أمن الجنوب، وتهريب الإرهاب عبر المنافذ.

ففي حادثة خطيرة وغير مسبوقة، تمكّنت قوات أمنية من إحباط محاولة تهريب أحد أبرز القيادات الحوثية، الشيخ القبلي المعروف محمد أحمد الزايدي، عبر منفذ صرفيت الحدودي إلى سلطنة عمان، قبل أن تُستهدف القوة العسكرية الجنوبية القادمة لاستلامه بكمين غادر في منطقة دمقوت، أسفر عن استشهاد العميد عبدالله زايد الجبري، أحد أبطال محور الغيضة.

عدوٌ واحد بوجهين

تأتي هذه الحادثة لتؤكد المؤكّد: ما كان يُعتقد أنه تنافس سياسي بين الحوثيين والإخوان، ليس إلا غطاءً لتحالف خفي، يتقاسم الأدوار لضرب المشروع الوطني الجنوبي من كل الجهات. فالزايدي، الذي مرّ من صعدة إلى مأرب، فحضرموت، حتى وصل إلى المهرة، لم يواجه أي اعتراض، رغم عبوره عشرات النقاط الأمنية التابعة لما يُسمى بالجيش الوطني، الذي يُدار فعليًا من مطابخ حزب الإصلاح.

في هذا السياق، يقول الصحفي الجنوبي أحمد اليافعي لـ”الصوت الجنوبي”: “ما حدث في المهرة هو إعادة تمثيل لمشهد سقوط صعدة، حين مكّنت قوى محلية متواطئة ميليشيا الحوثي من فرض نفسها. الفارق الوحيد اليوم أن الجنوب يدرك هذه اللعبة، ولن يسمح بتكرار الكارثة”.

تنسيق مكشوف.. ومليشيات مشبوهة

بحسب مصادر أمنية موثوقة، فإن العناصر المسلحة التي نفذت الكمين كانت مرتبطة بما يُسمى بـ”لجنة الاعتصام السلمي”، التي يقودها علي سالم الحريزي، المعروف بتوجهاته الموالية للحوثيين، وعلاقاته الوثيقة بطهران عبر الوسيط الحوثي. رغم نفي اللجنة أي صلة لها بالحادثة، إلا أن الواقع الميداني لا يمكن إنكاره، والرصاص الذي أُطلق على القوات الجنوبية لم يكن رصاصًا عشوائيًا، بل قرارًا سياسيًا بتنفيذ عملية تهريب بالقوة.

ويقول الباحث السياسي أنور سعيد لـ”الصوت الجنوبي”: “الحديث عن تبرؤ لجنة الحريزي من الهجوم فيه استخفاف بالعقول. الواقع أن هذه اللجنة تحولت إلى واجهة مدنية لمشروع حوثي واضح المعالم، وحادثة دمقوت هي الدليل الدامغ”.

دم الشهيد الجبري.. صفعة في وجه المتواطئين

استشهاد العميد عبدالله زايد الجبري، قائد كتيبة تابعة لمحور الغيضة، لم يكن خسارة عسكرية فقط، بل جرس إنذار وطني بامتياز. لقد سقط وهو يؤدي واجبه الوطني، مستجيبًا لنداء السيادة، حين تحرك لاستلام قيادي إرهابي، كان سيُهرّب لولا يقظة أبناء الجنوب.

في هذا الصدد، قال الصحفي محمد سعيد: “دم الشهيد زايد لن يضيع. هو عنوان مرحلة جديدة في المهرة، عنوانها الحسم. لم يعد هناك مجال للمواربة أو الصمت. كل من سهّل مرور الزايدي من حجة حتى صرفيت يجب أن يُحاسب، لا أن يُكافأ”.

المهرة في قلب المشروع الجنوبي

ليست المهرة هامشًا في المعادلة الجنوبية، بل هي مركز ارتكاز استراتيجي، ومصدر قوة اقتصادية وسياسية، وجسر حيوي للجنوب على الخليج والعالم. ومن هذا المنطلق، فإن ما يجري في المهرة ليس مجرد خلل أمني، بل تهديد وجودي للمشروع الجنوبي كله.

ويؤكد الصحفي محمد سعيد في حديث لـ”الصوت الجنوبي”: “تسلل الحوثيين إلى المهرة ليس نتيجة ضعف جنوبي، بل نتيجة تواطؤ واضح من قوى تدّعي الشرعية وهي في الواقع تحمي الإرهاب. اليوم بات لزامًا على القوات المسلحة الجنوبية أن تنتشر في المهرة ووادي حضرموت، فهما بوابة العدو نحو الجنوب”.

استعادة القرار الأمني.. ضرورة لا تقبل التأجيل

في ظل هذا المشهد، يبرز مطلب شعبي وأمني واحد: تطهير المهرة من المليشيات الخارجة عن إطار الدولة، وإعادة ترتيب الأوضاع الأمنية في المنافذ والطرق الدولية، وتفعيل الرقابة الميدانية لمنع تكرار مثل هذه الاختراقات.

وفي هذا السياق، قال مصدر عسكري في محور الغيضة: “نحن نقاتل على جبهتين؛ جبهة ضد العدو الحوثي، وجبهة ضد التواطؤ الداخلي. ما نحتاجه هو قرار سياسي واضح بدعم القوات الجنوبية في المهرة، وتمكينها من أداء واجبها”.

الإعلام الجنوبي.. في معركة الحقيقة

في الوقت الذي كانت فيه أبواق الإخوان – كقناتي “المهرية” و”يمن شباب” – تحاول تبرير الحادثة أو تسويقها كاشتباك قبلي، كانت الحقيقة تنكشف عبر الإعلام الجنوبي الحر، الذي وثق وقائع الكمين، وأبرز حجم التغلغل الحوثي-الإخواني في المهرة.

حادثة المهرة ليست حدثًا عابرًا، بل محطة فارقة تؤكد أن مشروع الدولة الجنوبية يواجه مؤامرة متعددة الرؤوس. لكنها – في الوقت ذاته – أظهرت صلابة الموقف الجنوبي، ووضوح الرؤية، واستعداد أبناء الجنوب، وفي مقدمتهم المهرّة، للدفاع عن أرضهم وهويتهم.

المهرة لن تكون صعدة أخرى، ولن تتحول إلى ممر للإرهاب. والجنوب، بقيادة الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزبيدي، يدرك أن تحرير المهرة هو الطريق نحو تأمين الجنوب، وضمان استقراره، واستكمال معركة استعادة الدولة.