ذكرى 30 نوفمبر: همم جنوبية تتجدد في كل عام – (تقرير خاص للصوت الجنوبي)

الصوت الجنوبي – تقرير خاص

في مشهد جنوبي تتقاطع فيه الرمزية الوطنية مع التحولات السياسية المتسارعة، تستعد مدينة سيئون لاحتضان فعالية الذكرى الـ 58 لعيد الاستقلال، يوم السبت المقبل، 30 نوفمبر 2025، في حدثٌ يتجاوز طابعه الاحتفالي التقليدي ليأخذ موقعه كإحدى أهم المحطات المفصلية في المشهد السياسي لحضرموت والجنوب عمومًا.

ورغم تعدد القراءات السياسية، إلا أنّ القاسم المشترك بين الخبراء ومراقبي الشأن العام هو أن سيئون—العاصمة الرمزية لوادي حضرموت—ستتحول في هذا اليوم إلى منصة مفتوحة تعبّر عن المزاج الشعبي الفعلي، وتضع حدًا لمحاولات الالتفاف على إرادة الناس في تقرير مستقبلهم السياسي والأمني، في ظل حضورٍ واضح لدور المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يقود زمام المشهد بثقة متزايدة.

حضرموت تتقدّم الصفوف

الفعالية، التي ينظمها المجلس الانتقالي الجنوبي، تأتي في توقيت يتزامن مع تصاعد الاستقطاب السياسي والعسكري في الوادي، ومحاولات أطراف متعددة إعادة تدوير أدوات النفوذ القديمة. إلا أن اختيار سيئون، تحديدًا، ليس تفصيلاً عابرًا؛ فهو يعكس رغبة حضرمية واضحة في الانتقال نحو مرحلة جديدة تتجاوز حالة الجمود، وتؤكد أن المحافظة باتت أكثر جرأة في التعبير عن خياراتها الحقيقية.

ويقول سالم أحمد المرشدي، منسق مجلس المستشارين الجنوبي، لـ “الصوت الجنوبي”:
“إقامة فعالية 30 نوفمبر في سيئون ليست خطوة عادية، بل إعلان صريح أن حضرموت—بواديها وساحلها—تتحرك ضمن مشروع وطني جنوبي واضح. هناك محاولة لغلق الباب أمام أي مساعٍ لإرباك الهوية أو تفكيك القرار المحلي.”

ويضيف أنّ التحشيد الجاري “يعكس رغبة الناس في التحرر من مركزية القرار التي أرهقت حضرموت سنوات طويلة”، مؤكدًا أن الصوت الشعبي المتراكم بات يمتلك اليوم القدرة على تحويل مطالبه من مستوى الهامش إلى صلب العملية السياسية.

ويتابع المرشدي: “الرسالة الأساسية هنا أن حضرموت لم تعد قابلة للتشويش. انتقال الفعالية إلى الوادي يكسر واحدة من أكثر دوائر النفوذ حساسية للمنطقة العسكرية الأولى، ويرفع سقف النقاش حول مستقبلها من مجرد طرح إعلامي إلى مسار سياسي لا يمكن تجاوزه.”

قراءة جديدة للسياق الأمني
تعيش مناطق وادي حضرموت حالة من التعقيد الأمني، وسط وجود قوات المنطقة العسكرية الأولى التي تحولت—بحسب مراقبين—إلى أداة صراع سياسي أكثر منها مؤسسة أمنية منسجمة مع طبيعة المحافظة. وتستثمر بعض القوى هذا الوجود لإعادة توزيع النفوذ ومحاولة الحد من تأثير المجلس الانتقالي الجنوبي في تشكيل القرار المحلي.

ويقول المحلل السياسي والعسكري محمد الجفري لـ “الصوت الجنوبي” إن فعالية 30 نوفمبر “تأتي في الوقت الأنسب”، موضحًا أنّ حضرموت “تحتاج إلى انتقال حقيقي نحو قرار مستقل، وإلى شخصية سياسية جامعة تضع مصلحة المحافظة فوق أي أجندات دخيلة.”

ويرى الجفري أنّ التجمع الجماهيري المرتقب سيمثل لحظة فصل بين مرحلتين: “الحشود التي ستملأ سيئون ستعيد التأكيد بأن حضرموت مكوّن رئيسي في الجنوب، وأن وزنها الجغرافي والسياسي لا يسمح بتجاوز إرادتها. أي ترتيبات أمنية أو سياسية مستقبلية ستحتاج إلى قراءة هذه الرسالة بدقة.”

ويشير إلى أن المحافظة باتت اليوم أكثر وعيًا بضرورة التوازن بين الملفين الأمني والاقتصادي، وأن التعبير الجماهيري الموحّد يمنح الانتقالي ورقة قوة في التعامل مع الأطراف الإقليمية، خصوصًا فيما يتعلق بإعادة هيكلة الوجود العسكري في الوادي.

تماسك اجتماعي في لحظة مفصلية
ورغم التباينات الاجتماعية داخل حضرموت، إلا أن الفعالية القادمة تكشف لأول مرة حجم التقارب الشعبي بين الوادي والساحل، وتؤكد أن الهوية الحضرمية قادرة على تجاوز محاولات خلق الانقسامات الداخلية.

ويقول المرشدي في هذا السياق: “الفعالية ليست مجرد حدث سياسي، بل فرصة لإعادة بناء الثقة بين المجتمعات المحلية. التنظيم المتوقع يعكس نضجًا اجتماعيًا، ويعيد تموضع المواطن كمشارك في رسم السياسات وليس مجرد متلقٍ لنتائجها.”

ويضيف أنّ الانضباط التنظيمي والحضور الشعبي سيمنحان المجلس الانتقالي “مصداقية أكبر في تمثيل مطالب حضرموت داخل أي حوار قادم، سواء مع التحالف أو الأطراف اليمنية الأخرى.”

رسائل تتجاوز الحدود المحلية

الفعالية—وفق محللين—تحمل رسائل موجهة لكافة الأطراف: للقوى المحلية في الوادي، وللتحالف العربي، وللقوى الإقليمية التي تراقب تحولات حضرموت. الرسالة الأساسية هي أن المجلس الانتقالي يمتلك اليوم قاعدة جماهيرية صلبة داخل المحافظة، وأن أي ترتيبات سياسية مستقبلية لن تكون مكتملة دون أخذ هذا الحضور في الحسبان.

ويؤكد الجفري أن “الفراغ الذي شهدته حضرموت خلال السنوات الأخيرة أعطى المجال لقوى متعددة للتحرك داخلها”، لكنه يشدد في الوقت نفسه على أن “التحرك الشعبي المنظم والواعي كفيل بقلب المعادلة وإعادة ترتيب الأولويات.”

نحو معادلة جديدة في الوادي

تتجه الأنظار إلى سيئون لمعرفة ما إذا كانت الفعالية ستفتح الباب أمام إعادة صياغة العلاقة بين حضرموت والمنطقة العسكرية الأولى، باعتبارها إحدى أعقد الملفات الأمنية في الجنوب. ويجمع محللون على أن الحشود الكبيرة ستنقل هذا الملف من “مطالبات” إلى “حق سياسي واجب التنفيذ”، ما يغيّر طبيعة النقاش ويدفعه نحو معادلة جديدة أكثر وضوحًا.

وبحسب المرشدي، فإن المرحلة المقبلة “ستشهد انتقالًا في مركز الثقل السياسي من القوى المترددة إلى القوى التي تمثل الإرادة الشعبية الحقيقية”، مؤكدًا أن حضرموت “تتجه نحو استعادة قرارها، وليس مجرد التعبير عنه.”