الصوت الجنوبي – تقرير خاص

يوم الأربعاء الماضي، فتح البنك المركزي في العاصمة الجنوبية عدن النار على مجلس القيادة الرئاسي والحكومة والمؤسسات الحكومية تزامنا مع انهيار سعر العملة إلى أكثر من 2300 ريال أمام الدولار وأكثر من 600 ريال أمام الريال السعودي، مع وتردي جميع الخدمات والالتزامات الحكومية.

وقال البنك في بيان له تابعه محرر “الصوت الجنوبي” إن “مجلس القيادة لم يستمع لاقتراحاتنا لمواجهة انهيار العملة بعد قصف الحوثي منشآت تصدير النفط”، وأكد البيان أن مجلس القيادة والحكومة لم يتعاملوا بأي جدية مع نتائج قصف منشآت تصدير النفط حتى اللحظة.

وأضاف البيان أن “مجلس القيادة والحكومة عطلوا الاستفادة من موارد سيادية مهمة كانت تسهم في توفير الحد الأدنى من الخدمات، ولفت إلى أن مجلس القيادة والحكومة لم يتعاملوا مع ما هو متاح من موارد بالطريقة التي تواكب التحديات وتعالج الالتزامات بحسب أهميتها وأولوياتها.

واتهم بيان البنك المركزي في عدن مجلس القيادة والحكومة بالتخاذل عن توفير الإسناد اللازم للبنك بما يمكنه من القيام بواجباته بكل مهنية واستقلالية، فضلا عن قيام الرئاسي اليمني والحكومة بممارسات غير قانونيه تطال تحصيل الموارد، مجددا تأكيده على أنه سبق وحذر منها في خطاباته المتعددة للحكومة.

وأوضح البيان أن هناك مؤسسات حكومية إيرادية تتحفظ على إيراداتها، داعيا لإعادة توجيه جميع الإيرادات إلى حساب الحكومة العام في البنك المركزي بالعاصمة دون تخصيص ليتم إعادة تخطيط الإنفاق واستخدام المتاح من الموارد للتمويل الحتمي من الالتزامات وبحسب الأولويات.

وحمل البيان مجلس القيادة والحكومة مسؤولية عدم اتخاذ التدابير الممكنة لإعادة تشغيل المرافق الإيرادية السيادية بما يخدم الصالح العام ويحسن معيشة المواطنين ويوفر الحد الأدنى من الخدمات التي باتت في أسواء حالاتها.

وأكد البيان على أن غياب المسؤولين شبه الكامل عطل الأجهزة التنفيذية والمؤسسات وراكم الاختناقات، وقال إن “الحكومة لا تفعل شيئا لمواجهة الهجمات الحوثية الإرهابية على موارد الخزينة العامة”

انهيار كارثي ليس الأسوأ
في حديث “للصوت الجنوبي”، شرح الصحفي جلال عبّد أبرز تسلسلات الانهيار الكارثي الذي اتضحت معالمه خلال العام الماضي، وقال: “لقد شهد الاقتصاد في عام 2024 مزيدًا من التدهور والتأزم، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية وتعمق الانقسامات السياسية”.

وأضاف: “اتسم العام 2024 بارتفاع غير مسبوق في معدلات التضخم، وانهيار العملة المحلية، وتدهور الخدمات الأساسية، وتصاعد الصراع على الموارد، لا سيما النفط، ورافقت هذه التطورات مع إجراءات اقتصادية متضاربة من قبل الحكومة المعترف بها دولياً والحوثيين، وتراجعت عنها الحكومة جبنا منها وتخادما مع الحوثيين للأسف، مما زاد من تعقيد الأزمة وفاقم معاناة المواطنين”.

وتابع: “كما أصدر البنك المركزي في عدن قرارات حاسمة بحظر التعامل مع بنوك في مناطق سيطرة الحوثيين لم تستجب لقرار البنك بنقل مراكزها الرئيسية إلى العاصمة عدن، ومع ذلك، واجهت هذه الإجراءات صعوبات كبيرة، لم تكتمل بنجاح بسبب عدول مجلس القيادة الرئاسي عنها بضغوطات خارجية”.

وأردف: “على صعيد صرف العملات الأجنبية، فقد شهدت أسعار الصرف ارتفاعات متتالية خلال العام الماضي، حيث تخطى سعر صرف الدولار الأمريكي حاجز الـ 2000 ريال لأول مرة منذ اندلاع الحرب في البلاد، واليوم يكسر عتبة الـ 2350 ريال”.

وأشار إلى أنه من المرجح أن يكون العام الجاري هو الأسوأ على الإطلاق في تاريخ الكارثة الاقتصادية، مؤكدا على أهمية دعم جهود الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية عضو مجلس القيادة الرئاسي نحو استعادة الدولة الجنوبية وتحقيق الحلم المنشود بإعلان الاستقلال لطي صفحة الوحدة الفاشلة التي لم تقدم سوى العناء والفقر للشرفاء من شعب الجنوب.

من المسؤول
في 24 أكتوبر الماضي، حذرت هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي “من مخاطر استمرار البنك المركزي بعدن في سياسته الحالية لضخ العملة الأجنبية عبر المزادات غير الشفافة، التي تستفيد منها بشكل رئيسي البنوك وشركات الصرافة في صنعاء”.

ودعت إلى “وقف هذه المزادات وإلغاء قرار تعويم أسعار الصرف، وتحديد سعر صرف جبري”.

وفي هذا الصدد، حذر الكاتب الناشط السياسي الجنوبي سعيد الحامد من أن استمرار تدهور الوضع الاقتصادي سيؤدي إلى تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد. 

وأشار الحامد في حديث “للصوت الجنوبي” إلى أن معدل الجرائم وانهيار العملة المحلية وارتفاع أسعار العملات الأجنبية سيؤدي إلى زيادة أسعار السلع الأساسية، مما قد يدفع أعداء الجنوب لاستغلال هذا الوضع ليظهروا كبديل اقتصادي للحكومة. في حال اندلاع المعارك، ستواجه الحكومة موارد محدودة، مما سيزيد من تعقيد الأوضاع”.

وأكد الحامد على ضرورة اتخاذ الحكومة إجراءات عاجلة للحد من تداعيات انهيار العملة، من خلال تخفيض الإنفاق بالعملات الصعبة، وتشجيع الصناعات الوطنية، وجذب الاستثمارات. ولفت إلى أهمية البحث عن مصادر تمويل جديدة وإعادة تصدير النفط والغاز.

ولفت إلى أن “الحلول محدودة، ويجب على الدول الداعمة تقديم دعم عاجل، لكن ذلك يتطلب وجود خطة واضحة”. وحذر من أنه بدون الحصول على هذا الدعم، قد تواجه البلاد كارثة حقيقية، لا سيّما مع انخفاض التزام المواطنين بدفع رسوم الخدمات الأساسية.

وقال إن الحكومة اليمنية “تبدو عاجزة عن إيجاد بدائل لتوقف تصدير النفط، وهو ما يعكس فشلًا ذريعًا”. 

وأكد أن الوضع الراهن يتطلب تغييرات جذرية. وأضاف: “يتحكم الفاسدون في مصير الاقتصاد، مما يُعد جريمة بحق الوطن. ورغم وجود حلول مقترحة، إلا أن استمرار الفساد يمنع تنفيذها، مما ينعكس سلباً على حياة المواطنين والاقتصاد”.

تدني الخدمات
وفي 24 أكتوبر الماضي، خلال اجتماع في واشنطن لمحافظي البنوك المركزية ووزراء المالية في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وباكستان، أعلن محافظ البنك المركزي في عدن، أحمد غالب المعبقي، أن الحكومة اليمنية فقدت أكثر من 6 مليارات دولار خلال الـ 30 شهرًا الماضية نتيجة توقف صادرات النفط والغاز بسبب هجمات الحوثيين على الموانئ في حضرموت وشبوة.

وتسبب الانخفاض القياسي في قيمة العملة بارتفاع أسعار الغذاء وتردي الخدمات الأساسية، خاصة الكهرباء فقد شهدت انقطاعات لساعات طويلة في عدد من محافظات الجنوب.

وفي ظل هذه الظروف، أصدر البنك الدولي تقريرًا في 31 أكتوبر الماضي يحذر من تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في البلاد، متوقعًا انكماش الاقتصاد بنسبة 1% لعام 2024 بعد انخفاضه بنسبة 2% في العام الذي قبله.

وأشار التقرير إلى تراجع الإيرادات بنسبة 42% نتيجة الحصار الحوثي على صادرات النفط، مما أضعف قدرة الحكومة على توفير الخدمات الأساسية ورفع من مستويات الفقر وانعدام الأمن الغذائي.