الجمعة, مايو 23, 2025
الصوت الجنوبي – تقرير خاص شهدت مدينة المكلا، المركز الإداري والاقتصادي لمحافظة حضرموت الاستراتيجية، في 24 أبريل (نيسان) الماضي، حشداً جماهيرياً غير مسبوق في فعالية سياسية وشعبية ذات دلالات عميقة، نُظمت لإحياء الذكرى التاسعة لعملية تحرير مناطق ساحل حضرموت من سيطرة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. ولم تكن الفعالية مجرد استذكار لحدث أمني فارق فحسب،..." />
الصوت الجنوبي – تقرير خاص
شهدت مدينة المكلا، المركز الإداري والاقتصادي لمحافظة حضرموت الاستراتيجية، في 24 أبريل (نيسان) الماضي، حشداً جماهيرياً غير مسبوق في فعالية سياسية وشعبية ذات دلالات عميقة، نُظمت لإحياء الذكرى التاسعة لعملية تحرير مناطق ساحل حضرموت من سيطرة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
ولم تكن الفعالية مجرد استذكار لحدث أمني فارق فحسب، بل تحولت، بحسب مراقبين وسياسيين جنوبيين، إلى استفتاء شعبي واسع النطاق جدد التفويض السياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يطالب باستقلال الجنوب.
وجاء هذا الحشد الهائل ليؤكد، وفقاً لتحليلات سياسيين ومراقبين حضارم “للصوت الجنوبي” على ما يعتبره “انتصار الإرادة الحضرمية للخيار الجنوبي”.
التظاهرة، التي حملت شعار “حضرموت أولاً” ونظمتها فعاليات مجتمعية وسياسية حضرمية، كانت رسالة متعددة الأبعاد موجهة لأطراف محلية وإقليمية ودولية.
ويؤكد المشاركون فيها أنها جاءت لتثبيت معادلات سياسية وأمنية جديدة على الأرض، أهمها التأكيد على الهوية الجنوبية لحضرموت، والالتفاف الشعبي حول قوات النخبة الحضرمية، التي تشكلت وتدربت بدعم مباشر من دولة الإمارات العربية المتحدة، كضمانة أساسية للأمن والاستقرار في مواجهة تحديات الإرهاب ومحاولات زعزعة الاستقرار.
الهتافات والشعارات التي صدحت بها الحناجر ركزت على تمجيد تضحيات قوات النخبة الحضرمية، التي يُنظر إليها على نطاق واسع في المحافظة على أنها القوة الوحيدة التي نجحت في فرض الأمن والاستقرار في مناطق الساحل بعد طرد تنظيم القاعدة. العملية العسكرية التي جرت في أبريل 2016، بدعم جوي ولوجستي إماراتي مكثف، لا تزال تمثل نقطة تحول محورية في الذاكرة الجمعية الحضرمية.
يقول الشيخ القبلي سلمان المحمدي: “نحن مع المجلس الانتقالي حتى تحقيق هدفنا في دولة جنوبية تضمن حقوقنا وتحفظ كرامتنا. لن نقبل بعودة الفوضى أو الوصاية من أي طرف كان”.
المنصة الرئيسية للفعالية شهدت إلقاء كلمات حماسية لقيادات محلية وشخصيات اجتماعية وقبلية، أجمعت في مضامينها على اعتبار ذكرى التحرير رمزاً للانتصار ليس فقط على الإرهاب، بل على ما وصفوه بـ”مشاريع الهيمنة والتهميش” التي عانت منها حضرموت والجنوب لعقود.
وشددت الخطابات والهتافات على ضرورة الحفاظ على المكتسبات الأمنية التي حققتها النخبة الحضرمية، مطالبة بتوسيع نطاق انتشارها لتشمل مناطق وادي وصحراء حضرموت، التي لا تزال تشهد حالة من الهشاشة الأمنية ووجوداً لقوات عسكرية أخرى تعتبرها القيادات الجنوبية غير موالية لتطلعات أبناء المحافظة.
كما أكدت الكلمات على ما وصفته بـ”الالتفاف الشعبي غير المسبوق” حول المجلس الانتقالي الجنوبي كممثل سياسي رئيسي.
المطالب السياسية
فيما يتعلق بالمطالب السياسية والأمنية الملحة، جددت الفعالية المطالبة الصريحة بـ”بسط سيطرة النخبة الحضرمية على كامل تراب حضرموت، وادياً وساحلاً وصحراءً”، معتبرة ذلك استحقاقاً وطنياً لأبناء المحافظة.
وكررت الفعالية الدعوة، التي تحظى بإجماع شعبي ورسمي جنوبي واسع، لنقل قوات المنطقة العسكرية الأولى المتمركزة في الوادي إلى جبهات القتال ضد الميليشيات الحوثية، مؤكدةً أن هذا المطلب يستند إلى التزامات واضحة تضمنتها مخرجات مشاورات الرياض التي رعتها المملكة العربية السعودية في أبريل 2022، والتي لم تُنفذ بعد فيما يخص حضرموت.
كما أولت أهمية قصوى لتأكيد الهوية الجنوبية لحضرموت، مشدداً على أن “حضرموت كانت وستظل محافظة جنوبية أصيلة ورائدة في المشروع الوطني الجنوبي”، وأنها “تمثل العمق الاستراتيجي للجنوب وركيزة أساسية من ركائزه التي لا يقوم إلا بها”.
ورفضت بشكل قاطع أي محاولات مشبوهة لفصل حضرموت عن محيطها الجنوبي أو إثارة نعرات مناطقية تخدم أجندات معادية. وأوضح أن “الجنوب المنشود الذي يناضل من أجله أبناء حضرموت والجنوب هو دولة فيدرالية حديثة، تقوم على أسس العدالة والمواطنة المتساوية والشراكة الحقيقية، وتضمن حقوق ومصالح جميع مكوناته وأقاليمه، وفي مقدمتها حضرموت وخصوصيتها”.
المشروع الجنوبي
في سياق متصل، فسر شعار الفعالية “حضرموت أولاً” بأنه لا يتعارض بأي شكل من الأشكال مع الانتماء للمشروع الجنوبي الأكبر، بل هو “تجسيد لدعوة صادقة للعمل الجاد من أجل المصلحة العامة لحضرموت وتنميتها وازدهارها”، وهو أيضاً “تعبير عن ثقافة مدنية راقية تسهم في ترسيخ الوعي الوطني الجامع في الجنوب”.
واعتبر أن هذا التوجه يعكس “الدور الحضاري والقيمي الريادي الذي يمكن وينبغي أن تلعبه حضرموت في بناء مؤسسات الدولة الجنوبية الفيدرالية الجديدة”.
وفي هذا السياق، قال الناشط الصحفي طالب الكثيري: “لعل أبرز ما حمله البيان الختامي هو تجديد الثقة والتفويض الشعبي للمجلس الانتقالي الجنوبي وقيادته”.
وأضاف “للصوت الجنوبي”: “لقد ثمن البيان عالياً مواقف المجلس الانتقالي ورئيسه عيدروس الزُبيدي الداعمة لمطالب وحقوق حضرموت المشروعة”، مؤكداً أن المجلس “أصبح اليوم جزءاً لا يتجزأ من النسيج السياسي والاجتماعي الحضرمي.
وبحسب الكاتب السياسي فاروق السعدي، فإن المشاركين في المليونية جددوا “ثقتهم المطلقة وتفويضهم الكامل للرئيس القائد عيدروس الزُبيدي وقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي لمواصلة المسار النضالي بثبات حتى تحقيق كامل تطلعات شعب الجنوب في التحرير والاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية الفيدرالية كاملة السيادة”.
وأضاف “للصوت الجنوبي”: “كما تضمن البيان دعوة لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية للتنفيذ الفوري لمصفوفة المطالب الخدمية والتنموية العاجلة لحضرموت التي تم إقرارها سابقاً، مع الإشارة إلى أنها لا تمثل سوى جزء يسير من حقوق المحافظة المهدرة”.
ولم يفت البيان أن يجدد الإشادة بالدور المحوري لدول التحالف العربي، وبشكل خاص المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، في دعم الشرعية اليمنية ومكافحة الإرهاب وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار.
ويرى الناشط الحقوقي سالم باحكم أن هذه المليونية تحمل أبعاداً تتجاوز الاحتفال بالذكرى، وقال “للصوت الجنوبي”: “ما شهدته المكلا هو تجسيد حي لكيفية تحول الإرادة الشعبية المحلية، عندما تجد قيادة سياسية قادرة على تنظيمها وتوجيهها، إلى قوة دفع هائلة لمشروع سياسي أكبر”.
وأردف: “لقد أثبتت حضرموت اليوم أنها ليست مجرد محافظة جنوبية، بل هي قلب الجنوب النابض ورافعة أساسية لمشروعه الوطني”.
ويضيف باحكم: “نجح المجلس الانتقالي الجنوبي، وبشكل لافت، في استيعاب الخصوصية الحضرمية وتوظيفها لتعزيز الموقف الجنوبي العام. شعار ‘حضرموت أولاً’ تم تأطيره بذكاء ليخدم هدف ‘الجنوب أولاً’. الرسالة واضحة: حضرموت، بإرثها وثقلها، تختار بوعي الانحياز للمشروع الجنوبي الفيدرالي، وترفض بشكل قاطع أي محاولات لفرض وصاية أو أجندات خارجية، سواء كانت من القوى اليمنية التقليدية في الشمال أو من جماعات الإسلام السياسي التي تحاول اللعب على التناقضات”.
ويعتبر باحكم أن “الانتصار” الذي يمثله هذا الحشد هو “انتصار سياسي ومعنوي بالدرجة الأولى”. ويوضح: “لقد تمكنت القوى الجنوبية، وفي مقدمتها المجلس الانتقالي، من تحصين حضرموت سياسياً عبر ترسيخ الهوية الجنوبية وربط مصير المحافظة بمصير الجنوب ككل. هذا التحصين، المدعوم بقوة أمنية محلية موثوقة (النخبة الحضرمية)، هو ما أفشل حتى الآن محاولات زعزعة الاستقرار التي تستهدف المحافظة، خاصة في مناطق الوادي حيث لا تزال قوى معادية للمشروع الجنوبي تحتفظ بنفوذ عسكري”.
أصداء شعبية
الأجواء في المكلا عكست شعوراً بالارتياح لدى قطاعات واسعة من السكان لرؤية هذا الزخم الشعبي المؤيد للمسار الذي يعتبرونه ضامناً لمستقبلهم. تقول السيدة عبير باعمر، وهي معلمة وأم لأبناء يخدم بعضهم في النخبة الحضرمية: “نشعر بالفخر ونحن نرى أبناء حضرموت من كل مكان يتحدون خلف هدف واحد. ذكرى التحرير عزيزة علينا، فقد عشنا أياماً صعبة تحت حكم الإرهاب. الأمن الذي ننعم به اليوم بفضل النخبة لا يقدر بثمن. نتمنى أن يمتد هذا الأمن ليشمل كل شبر من أرض حضرموت، وأن تدار مواردنا لصالحنا ولصالح أجيالنا القادمة. نحن نثق في قيادة المجلس الانتقالي لتحقيق ذلك”.
مايو 22, 2025
مايو 22, 2025
مايو 22, 2025
مايو 22, 2025