الصوت الجنوبي _ تقرير خــاص

ظلام دامس مساءً وارتفاع درجات الحرارة نهارًا وانهيار شبه تام لمنظومة الكهرباء؛ هكذا بدأ المشهد في ساحل حضرموت، في ظل ما تشهده من “أربعينية” وخوض طلاب الثانوية العامة لامتحانات الشهادة. كلها عوامل ضاعفت من وطأة الظروف المعيشية القاسية التي يعيشها الأهالي.

تعتبر “أربعينية” الصيف بحضرموت موسم حر يتميز منذ بدء دخوله في بداية شهر مايو من كل عام بارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة، وارتفاع نسبة الرطوبة في طبقات الهواء، مما يؤدي إلى زيادة التعرق والشعور بالحر، وضعف حركة الرياح وتوقف هبوب الهواء، خاصة في ساعات المساء. لذلك يشعر الكثيرون في موسم الأربعينية بأجواء منهكة.

عبّر المواطنون عن سخطهم واستيائهم جراء الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي لأكثر من اثنتي عشرة ساعة متواصلة، وفي أفضل الحالات إلى خمس ساعات متواصلة مقابل ساعتين تشغيل، وسط غياب أي تبرير رسمي أو توضيح من مؤسسة الكهرباء بساحل حضرموت.

أسباب الأزمة

في الـ 9 من فبراير الماضي، أصدر رئيس مجلس الوزراء السابق الدكتور أحمد عوض بن مبارك قرارًا بإلغاء عقود وتمديدات شراء الطاقة العاملة بوقود مادة الديزل. وجاء في نص القرار: “الأخ/ وزير الكهرباء والطاقة تحية طيبة.. بالإشارة إلى رسالتكم رقم (و ك ط03-6) بتاريخ 2024/1/30م، المتضمنة مقترحًا بإلغاء عقود وتمديدات شراء الطاقة العاملة بوقود مادة الديزل في عموم المحافظات المحررة، نظرًا لعدم القدرة على توفير وقود التشغيل اللازم لمحطات الطاقة المشتراة، نظرًا لما يترتب عليها من التزامات تعاقدية لطاقة غير منتجة…الخ”. نوافق على مقترحكم المشار إليه أعلاه، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه، مع ضمان استمرار تقديم خدمة توليد الكهرباء.

الصحفي حسن بن سميدع قال في منشور له على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، رصده محرر “الصوت الجنوبي”: “تواصلت مع مصدر خاص في مؤسسة الكهرباء، أكد لي أن تزايد ساعات الانقطاع للتيار الكهربائي بساحل حضرموت بسبب إيقاف شركتي الأهرام والأمانة لمولداتها، في خطوة للضغط على الحكومة للمطالبة بمستحقاتهم، خاصة بعد تعيين جديد لرئاسة مجلس الوزراء”.

ويضيف بن سميدع: “إيقاف الأهرام والأمانة، والتي يقال إنها تتبع لتاجر واحد، سبّب إشكالية وضغطًا على بقية المولدات الأخرى، حيث بتوقفهما تضاعف العجز وتزايدت ساعات الانقطاع للتيار الكهربائي، حيث وصل العجز إلى (35) ميقا جراء توقف الأهرام والأمانة. ذلك التوقف سبب ضغطًا كبيرًا على الأحمال، مما شوهد بالأمس اشتعال في بعض خطوط النقل وخروجها عن الخدمة، مما تسبب في تزايد ساعات الانقطاع للتيار الكهربائي. قبل أن يتدخل الفريق العامل لمؤسسة كهرباء ساحل حضرموت في إصلاح الخلل، ليصبح الانقطاع للتيار الكهربائي 4 ساعات مقابل ساعتي تشغيل.

وبيّن بن سميدع أن “في ساحل حضرموت القدرة التوليدية كاملة (175) ميقا، في ظل الاحتياج الحقيقي نحو (240) ميقا. بمعنى آخر، أن ساحل حضرموت لا يزال بحاجة إلى نحو (70) ميقا لتلبية الاحتياج الرئيسي لمديريات ساحل حضرموت.

ويرى بن سميدع أن “على الحكومة العمل بقرار رئيس مجلس الوزراء السابق بن مبارك، بضرورة إيقاف عقود شركات الطاقة المشتراة وتحويل المحطات إلى محطات حكومية، فهناك مبالغ مالية طائلة تُصرف على هذا الجانب، بإمكانها إنشاء محطات حكومية جديدة وبطاقة أعلى”.

ويسترسل بن سميدع: “ما شاهدناه من اجتماع المكتب التنفيذي بحضرموت ومطالبته للحكومة بسرعة التدخل العاجل لحل المعاناة؛ هو ما يؤكد أن الخلل لا يزال باقيًا في الحكومة والمجلس الرئاسي الغائب أصلًا عن معاناة المواطنين في مختلف المحافظات المحررة. إضافة إلى أن ذلك يتطلب من كل المكونات السياسية والمجتمعية ضرورة المساندة ووقفة رجل واحد لتلك المطالبة بعيدًا عن التشتت والشرذمة”.

مبررات الإيقاف

شركة الأهرام للطاقة أفادت أن سبب تعليق الخدمة في جزء من محطاتها بقدرة (25) ميجا في الساحل و(6) ميجا في دوعن يعود لعدة عوامل خارجة عن إرادتها.

وقد أوضحت شركة الأهرام في بيان لها حصل “الصوت الجنوبي” على نسخة منه، أنها قد أبلغت الجهات المعنية قبل أسبوع بموعد تعليق الخدمة، وتأسف الشركة بشدة لاتخاذ هذا القرار في هذا التوقيت رغم صبرها لأكثر من سبع سنوات على تأخر المستحقات، وذلك حرصًا منها على استمرار الخدمة ووفاءً للمحافظة وأهلها.

ولخصت الشركة سبب التعليق في ثلاث نقاط أساسية: أولًا، عدم صرف التعزيزات المالية الصادرة من الحكومة ووزارة المالية، والتي تمثل جزءًا من مستحقات الشركة، حيث يرفض البنك المركزي في عدن استلامها وصرفها منذ ثلاث سنوات، على الرغم من تجديدها مؤخرًا في بداية عام 2025م.

ثانيًا، لم تتمكن الشركة من تغطية تكاليف التشغيل وشراء قطع الغيار اللازمة والزيوت وغيرها، نتيجة تأخير الصرف من قبل البنك المركزي المستمر منذ عامين، مما أثر بشكل مباشر على قدرة المحطات على الاستمرار في العمل.

ثالثًا، توجيهات رئيس الوزراء السابق بإلغاء عقود شراء الطاقة، والتي صدرت قبل شهر رمضان، إلا أن الشركة آثرت عدم تعليق الخدمة خلال الشهر الكريم، مراعاةً للظروف الإنسانية، واستمرت في تقديم الخدمة حتى انتهاء العقد رسميًا في 3 مايو 2025م.

وناشدت الشركة كافة المسؤولين بسرعة استلام وصرف التعزيزات المالية من قبل البنك المركزي، الصادرة عامي 2023م – 2024م، المجددة في عام 2025م، حتى تتمكن من مواجهة تكاليف التشغيل وقطع الغيار اللازمة لتشغيل المولدات، وتجنب مزيد من المعاناة للمواطنين.

تنفيذي حضرموت.. يناشد الرئاسي

عقد المكتب التنفيذي بحضرموت اجتماعه الدوري أمس بالمكلا، برئاسة الأمين العام للمجلس المحلي بالمحافظة، الأستاذ صالح عبود العمقي، وبحضور وكلاء المحافظة، وممثلي الجهات الحكومية والتنفيذية.

ووقف المكتب في مستهل اجتماعه أمام أوضاع الكهرباء والإشكالات الحالية التي تؤرق المواطنين مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة. ووجه المكتب نداءً عاجلاً إلى مجلس القيادة الرئاسي للوفاء بمسؤولياته تجاه أزمة الكهرباء المتفاقمة مع دخول فصل الصيف، مُطالبين بمعالجة مشكلة الطاقة المشتراة وتوفير الوقود لمحطات الكهرباء الحكومية والمشتراة، والتسريع بحلول بديلة لضمان استمرارية التيار الكهربائي، وتجنب انهيار الخدمات خلال موجة الحر، وتخصيص دعم عاجل لتخفيف المعاناة عن المواطنين، خصوصًا في القطاعات الصحية والسكنية.

ورفع المكتب التنفيذي بحضرموت التهاني إلى الكادر الوطني المعروف، الأستاذ سالم صالح بن بريك، بمناسبة تعيينه رئيسًا لمجلس الوزراء، مُثمنين ثقة رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي وأعضاء المجلس بقدرته على قيادة المرحلة القادمة، مع التأكيد على دعم خطط الحكومة لتحقيق الاستقرار وتلبية تطلعات المواطنين.

وناقش الاجتماع عدة ملفات خدمية واقتصادية، شملت المصادقة على محضر الاجتماع السابق، وإقرار تقارير لنشاط وأداء الهيئة العامة للمصائد السمكية في البحر العربي، ومصنع المكلا لتعليب الأسماك “الغويزي”، وسبل تطويره لتعزيز القطاع السمكي، وتقرير لنشاط مكتب وزارة الصناعة والتجارة، وتقييم أداء غرفة تجارة وصناعة حضرموت. وتمت مناقشة تقارير الأداء لهذه المرافق، واعتماد آليات لمعالجة الصعوبات وتحسين الأداء.

وشدد الأمين العام للمجلس المحلي بحضرموت على تعزيز التنسيق بين الجهات الحكومية لتحسين الأداء الخدمي والاقتصادي، ومتابعة تنفيذ التوصيات عبر تقارير إنجاز ربع سنوية، مع تركيز خاص على ملف الكهرباء، والتشديد على المكاتب الحكومية بالتسريع بتنفيذ خطط التنمية، وتذليل العقبات الإدارية والمالية، وتفعيل الشفافية والحوكمة في إدارة المؤسسات، والالتزام بروح الفريق لخدمة المواطنين.

ووجه الأمين العام كافة مكاتب فروع الوزارات والمؤسسات والهيئات العامة والمرافق والمصالح الحكومية والسلطات المحلية بالمديريات للقيام بمهامها وتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقها، من خلال تحسين أدائها وتنفيذ المهام المكلفة بها لتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، وتسهيل معاملاتهم، وتنفيذ خطط التنمية، وتجاوز الصعوبات والعراقيل للنهوض بأوضاع المحافظة في مختلف المجالات.

الرئاسي يناقش.. التحديات الراهنة

عقد مجلس القيادة الرئاسي أمس الاثنين، اجتماعًا برئاسة الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس المجلس، وبحضور أعضائه سلطان العرادة، الدكتور عبدالله العليمي، عثمان مجلي، وفرج البحسني، وعبر الاتصال المرئي طارق صالح، وعبدالرحمن المحرمي، بينما غاب بعذر عضو المجلس عيدروس الزبيدي.

في مستهل الاجتماع، الذي حضره رئيس مجلس الوزراء سالم بن بريك، هنأ مجلس القيادة الرئاسي، رئيس الوزراء الجديد بنيل الثقة، مثنيًا على جهود سلفه الدكتور أحمد عوض بن مبارك خلال توليه رئاسة الحكومة في ظل ظروف محلية وإقليمية بالغة التعقيد.

وأعرب المجلس عن ثقته برئيس الوزراء وأعضاء الحكومة في العمل بروح الفريق الواحد للتغلب على التحديات الراهنة، والاستجابة لأولويات المرحلة، وفي مقدمة ذلك حشد كافة الإمكانات والقدرات لخدمة معركة استعادة مؤسسات الدولة، واحتواء التدهور الاقتصادي والخدمي، وتعزيز الشراكة مع الأشقاء في تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، والشركاء الإقليميين والدوليين.

وجدد مجلس القيادة الرئاسي التزامه بدعم جهود الحكومة، وتيسير ممارسة اختصاصاتها بكامل صلاحياتها، وفقًا للدستور والقانون، ومرجعيات المرحلة الانتقالية، بما في ذلك إعلان نقل السلطة، والقواعد المنظمة لعمل مجلس القيادة وهيئاته المساندة.

وشدد المجلس على أهمية انتظام عمل الحكومة بكافة أعضائها من الداخل، والتعاطي العاجل مع هموم المواطنين واحتياجاتهم السلعية والخدمية، والمضي باستكمال عمليات الإصلاح المؤسسي، وتفعيل آليات الحوكمة، ومكافحة الإرهاب والفساد بكافة أشكالهما.

وعرض رئيس الوزراء في الاجتماع إطارًا عامًا لأولويات حكومته خلال المرحلة المقبلة، خصوصًا في المجالات الاقتصادية والخدمية والدعم الرئاسي والإقليمي والدولي المطلوب على مختلف المستويات.

رفض للواقع

نتيجة للوضع المأساوي الذي يعيشه الأهالي في مديريات ساحل حضرموت، من انهيار لشبكة الكهرباء نتيجة لإيقاف شركة الأهرام لمولداتها، بالتزامن مع دخول “الأربعينية” وخوض طلاب الثانوية لامتحانات الشهادة النهائية؛ فقد عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالعديد من المنشورات الرافضة لوضع الكهرباء المنهار.

الإعلامي منصور السومحي وصف ما يحدث بـ “الجريمة”، ويضيف في منشور له على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، رصده محرر “الصوت الجنوبي”: “في ذروة الحر، وبداية امتحانات الثانوية والكهرباء مقطوعة، لا رحمة بالناس ولا تقدير لظروف الطلاب. حسبنا الله ونعم الوكيل.”

أما الصحفي يوسف باسنبل، فقد أكد في منشور له على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، رصده محرر “الصوت الجنوبي”: إن “شركة الأهرام للطاقة المشتراة توقف جميع مولداتها من أجل الضغط لدفع مستحقاتها، دوعن بلا كهرباء، إلى الله المشتكى.” وكشف باسنبل عن انقطاع شبكة الاتصالات يمن موبايل 77 بمحطة رحاب دوعن بسبب انقطاع الكهرباء.

فيما قالت الناشطة الإعلامية هنا النهدي، في منشور لها على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، رصدته محرر “الصوت الجنوبي”: “مع تدشين امتحانات الثانوية العامة، جدول طفي مفتوح في مدينة المكلا، إيه الواحد يقول بس. اللهم اشقق على من شق علينا، يا رب.”

(تعكس أزمة الكهرباء في ساحل حضرموت واقعاً قاسياً يعيشه الأهالي، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة ودخول “الأربعينية”. تظل الجهود الحكومية بحاجة إلى تحسينات جذرية ومعالجة فعّالة لضمان استمرارية الخدمة وتلبية احتياجات المواطنين. إن الوضع الحالي يتطلب تكاتف جميع الجهات المعنية لإيجاد حلول جذرية تساهم في تخفيف معاناة المواطنين خلال هذه الأوقات الصعبة.)