الصوت الجنوبي _ تقرير خــاص

تشهد مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، وعدد من مديريات الساحل، ما يشبه “حربًا بلا بارود”، يسقط خلالها المواطنون بين قتيل ومصاب، ليس برصاص أو قنابل، بل جراء موجات الحر والرطوبة العالية والانقطاع المتكرر للكهرباء، ما أدى إلى تفاقم حالات الإصابة بأمراض الربو والضغط والسكري وغيرها من الأمراض المزمنة، خاصة بين كبار السن.

هذا الواقع المأساوي يأتي نتيجة مباشرة للأجواء الخانقة والارتفاع الكبير في درجات الحرارة والرطوبة، ما زاد من معاناة أهالي المكلا وضواحيها، في ظل استمرار انقطاعات التيار الكهربائي لساعات طويلة ومتكررة، دون حلول ملموسة من الجهات المختصة، ما جعل المواطنين يصفون الوضع بأنه “عقاب جماعي في وضح النهار”.

المواطنون يناشدون: لا حلول في الأفق

يقول المواطن سالم بن عبدون، وهو أحد سكان المكلا لـ «الصوت الجنوبي»: “كل يوم نعيش في معاناة لا تطاق.. الحرارة خانقة، والرطوبة تحاصرنا، والكهرباء تنطفئ بالساعات دون أي تحرك حقيقي لإنهاء هذه الكارثة!”.

ويضيف المواطن سعيد باعلي لـ «الصوت الجنوبي»: “كأننا نعيش في سجن بلا قضبان.. كبار السن والأطفال أكثر المتضررين، وهناك حالات اختناق متزايدة بين المصابين بالربو”.

بينما قال المواطن أحمد مبارك (47 عامًا) لـ «الصوت الجنوبي»: “أعيش مع والدتي المريضة بالربو، ومنذ دخول الصيف لم نذق طعم الراحة. كل ليلة تمر كأنها معركة بقاء بسبب الحرارة الخانقة وانعدام الكهرباء. الوضع لم يعد يُحتمل”.

مؤسسة الكهرباء: أعطال فنية ومشكلات تشغيلية

في ظل تصاعد الغضب الشعبي، أصدرت المؤسسة العامة لكهرباء ساحل حضرموت توضيحًا رسميًا كشفت فيه عن الأسباب الفنية التي تقف خلف انقطاع التيار الكهربائي في أحياء مدينة المكلا وضواحيها لساعات طويلة يوميًا.

وأشارت المؤسسة عبر إدارة العلاقات العامة والإعلام إلى أن الانقطاعات تعود إلى عدة أسباب طارئة، أبرزها:

خروج 20 ميجاوات من الخدمة بسبب عطل مفاجئ في مفتاح محطة الجامعة. وتوقف محطة الحرشيات عن العمل نتيجة عطل في مفتاح بويش. وزيادة ساعات برنامج الفصل المؤقت للأحمال، والتي تجاوزت في بعض المناطق أكثر من 5 ساعات يوميًا، بسبب الفاقد في التوليد والطاقة الخارجة عن الخدمة.

كما أكدت المؤسسة أن الارتفاع الشديد في درجات الرطوبة أدى إلى تحميل زائد على الشبكة الكهربائية، مما تسبب في انهيار المنظومة وحدوث “طفي عام” ثلاث مرات خلال الأيام الماضية.

وأوضحت المؤسسة أن فرقها الفنية تعمل بشكل مستمر على إصلاح الأعطال، وتبذل جهودًا كبيرة لإعادة التيار تدريجيًا، وتقليل فترة الانقطاعات، وتحسين استقرار الخدمة.

اتهامات لـ”مسلحي الهضبة”.. بعرقلة الإمدادات

مع تضاعف المعاناة، تفجرت اتهامات واسعة في الشارع الحضرمي لما يُعرف بـ”الحصار القبلي”، في إشارة إلى الدور الذي تلعبه مجاميع مسلحة قبلية تتبع الشيخ عمرو بن حبريش، في عرقلة وصول الوقود لمحطات الكهرباء.

مصادر ميدانية أكدت أن هذه الجماعات تقوم بالتدخل المتكرر في مسارات الإمداد، وتمنع مرور شاحنات الوقود المخصصة لتشغيل المحطات، كما تعيق بيع الكميات المخصصة للمحطات، والتي تمثل المصدر الأساسي لتغطية تكاليف تشغيل الكهرباء.

وتحذر المصادر من أن هذه التصرفات تُنذر بإيقاف أعمال شركة “بترومسيلة” بشكل كامل، وهو ما سيؤدي إلى شلل تام في خدمات الكهرباء في الساحل، مشيرة إلى أن الأزمة مفتعلة ومقصودة، ما يثير القلق من أن تتحول الأزمة إلى مواجهة مفتوحة.

المواطن عمر السيباني قال لـ «الصوت الجنوبي»: “إذا كان هناك من يريد تصفية حساباته السياسية أو القبلية، فليخرجونا منها نحن المواطنين. لسنا ورقة تفاوض ولا وسيلة ضغط. نريد كهرباء فقط، هل هذا كثير؟”.

إنهاء لجنة الوقود.. واتهامات بالفساد

في تطور لافت، أصدر رئيس حلف قبائل حضرموت، الشيخ عمرو بن حبريش، قبل نحو أسبوع، قرارًا بإنهاء عمل لجنة الإشراف على وقود مرافق الخدمات التابعة للحلف، معلنًا أن اللجنة أنهت المهام المكلفة بها.

جاء القرار بعد يومين فقط من تسريب وثيقة صادرة باسم المهندس عبد الله حسين بن طالب، رئيس لجنة المحروقات في حلف قبائل حضرموت بوادي وصحراء حضرموت، والتي كشف فيها عن وجود “خلية فاسدة” – على حد تعبيره – تعمل داخل السلطة والحلف بتنسيق مشترك.

ووفقًا للوثيقة، فإن اللجنة اتخذت إجراءات تصحيحية مؤلمة تهدف إلى “قطع يد الفساد”، مما تسبب – بحسب قوله – في استمرار الأزمة لأيام إضافية، إلا أنه اعتبر هذه المعاناة أقل ضررًا من القبول باستمرار الفساد والنهب.

الناشط سعيد باوزير علق لـ «الصوت الجنوبي» قائلًا: “كل طرف يرمي المسؤولية على الآخر، لكن النتيجة أن المواطن هو من يُعاني. نريد شفافية ومحاسبة، لا شعارات وقرارات شكلية”.

احتجاجات غاضبة.. وبركان خامد

ردًا على تدهور الأوضاع، شهدت مدينة المكلا مؤخرًا سلسلة احتجاجات شعبية غاضبة، حيث أغلق المواطنون عددًا من الشوارع الرئيسية، وأشعلوا الإطارات في أكثر من حي، احتجاجًا على استمرار انقطاع الكهرباء الذي تجاوز في بعض المناطق خمس ساعات متواصلة، مقابل ساعتين فقط من التشغيل.

كما تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي دعوات شبابية وشعبية للاعتصام المفتوح أمام مبنى السلطة المحلية في المكلا، وذلك يوم الخميس القادم.

الدعوات أكدت على أهمية الحفاظ على سلمية الاحتجاج، ورفض أي أعمال تخريبية، مناشدين الجميع بالمشاركة الواسعة للضغط على الجهات المعنية من أجل تنفيذ مطالب أبناء حضرموت.