الصوت الجنوبي – تقرير خاص

في خضم مرحلة دقيقة تمر بها محافظة حضرموت، تبرز قضية الشراكة في إدارة المحافظة كأحد أهم الملفات السياسية والإدارية المطروحة على الطاولة، فبعد أكثر من عام من التباين والصراعات الإدارية، بات واضحًا أن غياب الشراكة الفاعلة أسهم في تعميق الأزمة وتدهور الخدمات وفتح الباب أمام عودة القوى التقليدية إلى المشهد.

وجاءت دعوة المجلس الانتقالي الجنوبي لتفعيل الشراكة في حضرموت كخطوة متقدمة تهدف إلى إعادة التوازن السياسي والإداري، وضمان مشاركة القوى الفاعلة على الأرض في إدارة شؤون المحافظة، هذه الدعوة تعكس وعيًا عميقًا بحساسية الظرف وضرورة توحيد الصفوف أمام محاولات اختطاف القرار المحلي وإعادة تدوير الأحزاب التي لفظها الشارع الجنوبي.

ومع مرور قرابة الأسبوع على لقاء رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، الأستاذ علي عبدالله الكثيري، بأعضاء الجمعية الوطنية والمستشارين من ساحل حضرموت، تتواصل ردود الأفعال والتحليلات حول مضامين اللقاء التي فتحت الباب واسعًا لنقاش جاد حول مستقبل الإدارة في المحافظة، والعلاقة بين حضرموت والمشروع الوطني الجنوبي الأشمل.

الانتقالي يفتح ملف إدارة حضرموت

طرح اللقاء الذي عقده الكثيري الخميس الماضي بمدينة المكلا، رؤية واضحة للمجلس الانتقالي الجنوبي حول الوضع القائم في حضرموت، مؤكدًا أن المحافظة لن تُدار إلا بالشراكة، وأن أي محاولة للانفراد بالقرار تعد تجاوزًا لإرادة أبنائها وتضحياتهم.

وأوضح الكثيري خلال اللقاء، أن المجلس الانتقالي وضع قضايا حضرموت في صدارة اهتماماته منذ تأسيسه، وسعى لمدّ جسور الحوار مع كل القوى والمكونات، بما فيها مؤتمر حضرموت الجامع، غير أن بعض المسارات لم تصل إلى توافقات، مشيرًا إلى أن أبواب الحوار لا تزال مفتوحة ولن تُغلق أمام أي طرف يسعى لخدمة المحافظة.

وشدد الكثيري على أن غياب مبدأ الشراكة في إدارة حضرموت هو جوهر الأزمة الحالية، مؤكدًا رفض المجلس لأي محاولة لإحياء تحالفات ما قبل 1994م التي تستهدف الجنوب من جديد عبر بوابة حضرموت، مشيرًا إلى أن الانتقالي يقف بثبات ضد هذه المخططات ويدعم كل ما يحقق مصلحة المحافظة وأمنها واستقرارها.

كما أكد أن قوات النخبة الحضرمية هي الدرع الحقيقي لحضرموت، محذرًا من محاولات استهدافها أو تقويض دورها في حماية ساحل حضرموت من قوى الإرهاب والتطرف، ومحمّلًا مجلس القيادة الرئاسي مسؤولية استمرار الأزمة وتعثر تنفيذ القرارات التي كان من شأنها تحسين الوضع المعيشي والخدمي للمواطنين.

الشراكة مطلب حضرمي وطني

ويرى كثير من المراقبين أن دعوة الانتقالي لتفعيل الشراكة في حضرموت ليست مطلبًا سياسيًا فحسب، بل ضرورة وطنية لضمان الاستقرار وتفادي تكرار أخطاء الماضي.

وأكد عضو مجلس المستشارين في المجلس الانتقالي الجنوبي، الأستاذ عارف بن علي جابر، في تصريح خاص لـ”الصوت الجنوبي”، أن دعوة المجلس لتفعيل الشراكة لم تأتِ من فراغ، بل من واقع ملموس ودور ميداني فاعل للمجلس في المحافظة.

وقال بن علي جابر: “المجلس الانتقالي الجنوبي أثبت حضوره الميداني والشعبي في حضرموت من خلال جماهيريته الواسعة التي عبّر عنها أبناء المحافظة في أكثر من مناسبة، وهذا الحضور يعكس حجم الثقة والتأييد الذي يحظى به المجلس بين المواطنين”.

وأضاف: “الانتقالي، وبموجب إعلان نقل السلطة، يسعى لترسيخ قيم الشراكة والتكامل، وتعزيز الدور الرقابي عبر المشاركة الفاعلة في السلطة التنفيذية، بما يضمن الاستجابة لتطلعات أبناء حضرموت، وهذا استحقاق مشروع يفرضه الواقع على الأرض”.

واختتم عضو مجلس المستشارين بالقول: “المجلس الانتقالي هو المكون الرئيسي في حضرموت، ومن حقه أن يكون شريكًا أساسيًا في السلطة المحلية تحقيقًا للتوازن السياسي والإداري وضمانًا لمشاركة كل القوى الفاعلة في إدارة شؤون المحافظة وخدمة مواطنيها”.

الفراغ السياسي وعودة القوى القديمة

التحذير الأبرز الذي خرج به اللقاء تمثل في الإشارة إلى محاولات إحياء الأحزاب القديمة التي اجتاحت الجنوب عام 1994م، وهي قوى فشلت في إدارة البلاد لعقود، لكنها اليوم تسعى للعودة عبر بوابة حضرموت مستغلة حالة الفراغ السياسي والإداري.

في هذا السياق، أوضح رئيس مركز المعرفة للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، الأستاذ عمر باجردانة، في تصريح خاص لـ”الصوت الجنوبي”، أن غياب الشراكة التوافقية التي نصت عليها ديباجة تشكيل مجلس القيادة الرئاسي أدى إلى خلل خطير انعكس على الأداء العام للمؤسسات.

وقال باجردانة: “إن غياب الشراكة على مستوى السلطات المحلية والوزارات سيقود إلى إعادة تدوير الأحزاب التي رفضها الشعب، وعلى رأسها المؤتمر والإصلاح، وهي قوى تستغل الفراغ القائم للعودة والسيطرة على القرار داخل المؤسسات الحكومية بما يعيد البلاد إلى ما قبل 2011”.

وأضاف أن المجلس الانتقالي قدم حلولًا واقعية عبر الوثيقة التي أعدتها اللجنة المكلفة من قبله “لجنة التواصل” لمعالجة الأزمة في حضرموت، معتبرًا تفعيلها خطوة ضرورية لقطع الطريق أمام من يسعون لإثارة الفوضى وإعادة المحافظة إلى مربع الصراعات.

حضرموت في قلب المشروع الجنوبي

يرى مراقبون أن تمسك الانتقالي بمبدأ الشراكة لا ينفصل عن رؤيته الأشمل لبناء الدولة الجنوبية الفدرالية التي تقوم على مبدأ توزيع السلطة والثروة بين المحافظات، وفي هذا الإطار، أكد الكثيري أن حضرموت ستكون ركيزة أساسية في الدولة الجنوبية القادمة، مشيرًا إلى أن لجنة وطنية من جميع محافظات الجنوب ستتولى صياغة الدستور الجنوبي بما يضمن العدالة والتوازن بين المكونات.

وشدد رئيس الجمعية الوطنية على أن الأصوات التي تروّج لتبعية حضرموت تعيش “خارج التاريخ”، مؤكداً أن تلك الطروحات تتجاهل الواقع الجديد الذي فرضته تضحيات أبناء الجنوب وإرادتهم السياسية المستقلة.

كما ثمّن الكثيري التحركات الدبلوماسية للرئيس عيدروس الزُبيدي، وخصوصًا زيارته إلى روسيا الاتحادية، التي قال إنها راكمت الكثير من النجاحات على طريق الاعتراف الإقليمي والدولي بالقضية الجنوبية.

وأكد أن حضور الجنوب في المحافل الدولية لم يعد مجرد حضور رمزي، بل يعكس انتقال القضية إلى مرحلة الاعتراف السياسي، وهو ما يمنح حضرموت موقعًا محوريًا في خارطة الدولة الجنوبية المنشودة.

أمن حضرموت بين الاستهداف والحماية

وتطرق الكثيري إلى الملف الأمني باعتباره الركيزة الأساسية للاستقرار، مشيرًا إلى أن ساحل حضرموت يواجه استهدافًا من قوى الإرهاب والتطرف، وأن حماية المحافظة مسؤولية تقع على عاتق قوات النخبة الحضرمية التي أثبتت كفاءتها في حماية المدن والموانئ والمنشآت الحيوية.

وأكد أن أي محاولة لإضعاف هذه القوات أو استبدالها، ستفتح الباب أمام الفوضى وتعيد شبح الانفلات الأمني إلى المحافظة، مشددًا على أن المجلس الانتقالي سيقف ضد هذه المحاولات بكل الوسائل السياسية والقانونية.

واعتبر مراقبون أن دعوة الانتقالي لإدارة حضرموت بالشراكة تمثل نقطة تحول في مسار الأزمة، كونها تضع الأساس لتوافق سياسي شامل يمنع الانفراد بالقرار، ويؤسس لإدارة رشيدة تقوم على المشاركة والمساءلة.

(تقف حضرموت اليوم أمام مفترق طرق حاسم، إما نحو استعادة التوازن والاستقرار عبر الشراكة، أو الانزلاق مجددًا إلى فوضى تُغذّيها القوى التي لفظها التاريخ.)