الجمعة, مايو 23, 2025
الصوت الجنوبي – تقرير خاص في تطور نوعي يعكس حالة اليقظة الأمنية المتنامية، تمكنت قوات النخبة الحضرمية، الذراع العسكري الجنوبي في ساحل حضرموت، من إحباط مخطط “معادٍ” كان يهدف إلى زعزعة استقرار مدينة المكلا، عاصمة المحافظة، في عملية استباقية وصفتها مصادر عسكرية بأنها “حاسمة ودقيقة”. وأكدت هذه العملية مجدداً على الجاهزية القتالية العالية والكفاءة العملياتية..." />
الصوت الجنوبي – تقرير خاص
في تطور نوعي يعكس حالة اليقظة الأمنية المتنامية، تمكنت قوات النخبة الحضرمية، الذراع العسكري الجنوبي في ساحل حضرموت، من إحباط مخطط “معادٍ” كان يهدف إلى زعزعة استقرار مدينة المكلا، عاصمة المحافظة، في عملية استباقية وصفتها مصادر عسكرية بأنها “حاسمة ودقيقة”.
وأكدت هذه العملية مجدداً على الجاهزية القتالية العالية والكفاءة العملياتية التي تتمتع بها هذه القوات في مواجهة التهديدات الإرهابية المتجددة، والتي لا تزال تشكل تحدياً وجودياً في مناطق مختلفة من اليمن.
العملية الأمنية، التي نُفذت بمهنية عالية في ضواحي المكلا، كشفت عن شبكة إرهابية كانت تخطط لسلسلة من الهجمات تستهدف منشآت حيوية وشخصيات أمنية وعسكرية، بهدف إرباك المشهد الأمني المستقر في الساحل.
ووفقاً لبيانات أولية حصلت عليها منصة “الصوت الجنوبي” من مصادر أمنية، فإن العملية أسفرت عن اعتقال عدد من العناصر المشتبه بانتمائها لتنظيمات متطرفة، ومصادرة كميات من الأسلحة والمتفجرات كانت معدة للاستخدام.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن هذا الإنجاز الأمني لم يكن ليتحقق لولا التنسيق الاستخباراتي والعملياتي عالي المستوى بين قوات النخبة الحضرمية وقوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، وبشكل خاص دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويُعد الدعم الإماراتي، الذي يشمل الجوانب اللوجستية والتقنية والتدريبية المتقدمة، ركيزة أساسية في تعزيز قدرات هذه القوات الجنوبية، وتمكينها من بناء منظومة أمنية فعالة أثبتت قدرتها على التصدي الاستباقي لمحاولات تقويض الأمن والاستقرار الذي ينعم به ساحل حضرموت، والذي بات يُنظر إليه كنموذج يُحتذى في ظل التدهور الأمني الذي تعيشه مناطق أخرى.
من التأسيس الاستراتيجي إلى التأثير الميداني
لم يأتِ تأسيس قوات النخبة الحضرمية في العام 2016 من فراغ، بل كان استجابة ضرورية لتفاقم التحديات الأمنية التي عصفت بمحافظة حضرموت، حين استغلت جماعات إرهابية، أبرزها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، حالة الفراغ الأمني لتجعل من بعض مناطق المحافظة، بما فيها المكلا، معقلاً رئيسياً لها. وبمبادرة ودعم مباشر من التحالف العربي، وتحديداً دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، انطلقت عملية بناء هذه القوات، حيث خضع آلاف من أبناء حضرموت لبرامج تدريب وتأهيل عسكري وأمني مكثفة، وفقاً لأحدث المعايير القتالية والتكتيكية.
هذا الاستثمار الاستراتيجي في الكادر البشري الجنوبي، وتزويده بالعتاد والخبرات اللازمة، سرعان ما أثمر عن تحول النخبة الحضرمية إلى قوة ضاربة في مواجهة الإرهاب على امتداد الشريط الساحلي لحضرموت.
ومنذ اكتمال تأسيسها وتوليها المهام الأمنية، نفذت النخبة سلسلة من العمليات النوعية الناجحة التي أدت إلى تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية النائمة، وتحييد قيادات بارزة في التنظيمات المتطرفة، مما أسهم بشكل كبير في تقليص نفوذ هذه الجماعات وتجفيف منابع دعمها اللوجستي والبشري في مناطق الساحل.
ويرى مراقبون أن تجربة النخبة الحضرمية، كجزء من القوات المسلحة الجنوبية، تمثل نموذجاً أمنياً فريداً وقابلاً للدراسة في سياق بناء المؤسسات الأمنية في بيئات النزاع.
ففي الوقت الذي تشهد فيه العديد من المحافظات حالة من السيولة الأمنية والانفلات، استطاعت هذه القوات فرض معادلة أمنية مستقرة في مناطق انتشارها، مما انعكس إيجاباً على حياة المواطنين وعودة مظاهر الحياة الطبيعية.
يعلق المحلل السياسي الحضرمي، صالح بن حارث، على هذا الجانب بالقول: “إن ما حققته النخبة الحضرمية في ساحل حضرموت ليس مجرد انتصار تكتيكي على جماعات إرهابية، بل هو تأكيد على صوابية المقاربة الأمنية التي تبنتها القيادات الجنوبية بدعم من التحالف”.
وأضاف “للصوت الجنوبي”: “هذه المقاربة تقوم على الاعتماد على أبناء المنطقة، وتأهيلهم بشكل احترافي، ومنحهم الثقة والصلاحيات اللازمة لإدارة أمن مناطقهم. لقد أثبت الجنوبيون قدرتهم على تحمل المسؤولية حين تتاح لهم الفرصة والدعم الحقيقي.”
وأردف بن حارث: “النجاح في الساحل لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج رؤية استراتيجية أدركت أن الأمن لا يمكن استيراده أو فرضه من الخارج بشكل دائم، بل يجب أن ينبع من الداخل، وأن يكون للمجتمع المحلي دور محوري في حمايته. وهذا ما جسدته النخبة الحضرمية التي تحظى بقبول شعبي واسع.”
ثغرة أمنية تستدعي الحسم
في تناقض صارخ مع الوضع الأمني المستتب في ساحل حضرموت، يظل وادي وصحراء حضرموت يمثل نقطة ضعف أمنية مقلقة ومصدراً للتهديدات المستمرة. وتشير تقارير ميدانية وحقوقية إلى تفاقم حالة الانفلات الأمني في مناطق الوادي، وتزايد وتيرة عمليات الاغتيال التي تستهدف شخصيات عسكرية وأمنية ومدنية، فضلاً عن العمليات الإرهابية التي تنفذها خلايا متطرفة بين الحين والآخر.
وتستفيد الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة، وفقاً لمصادر محلية تحدثت “للصوت الجنوبي”، من الطبيعة الجغرافية الوعرة والشاسعة للوادي، بالإضافة إلى محدودية وانتشار القوات الأمنية التابعة للمنطقة العسكرية الأولى، والتي يرى كثير من الحضارم أنها لا تقوم بدورها المنوط بها بفعالية، بل ويتهمونها أحياناً بالتواطؤ أو الإهمال الذي يتيح لهذه الجماعات حرية الحركة والتخطيط لعملياتها.
هذا الوضع المعقد يجعل من وادي حضرموت ملاذاً آمناً نسبياً لهذه العناصر، ومنطلقاً لشن هجماتها التي تستهدف المواطنين الأبرياء، والقيادات الأمنية، والمسؤولين المحليين، سعياً لفرض واقع أمني هش يخدم أجنداتها.
ويحذر خبراء أمنيون من أن استمرار هذا الفراغ الأمني، أو ما يمكن وصفه بغياب “النموذج الأمني الساحلي” الناجح في مناطق الوادي، قد يقوض أية جهود مستقبلية رامية إلى تحقيق استقرار شامل ومستدام في محافظة حضرموت بأكملها.
وتتعالى الأصوات المطالبة بضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة، تشمل إعادة النظر في هيكلة القوات الأمنية المنتشرة في الوادي، ونشر وحدات من قوات النخبة الحضرمية، التي أثبتت جدارتها، في تلك المناطق، مع تزويدها بالدعم اللوجستي والميداني الكافي لضمان قدرتها على بسط نفوذ الدولة وتأمين المنطقة على غرار ما تحقق في الساحل.
يقول الصحفي والمتابع للشأن الحضرمي، خالد المهدي: “الفارق الأمني بين ساحل حضرموت وواديها أصبح واضحاً للعيان ولا يمكن تجاهله. في الساحل، يشعر المواطن بالأمان بفضل جهود النخبة الحضرمية ودعم المجلس الانتقالي الجنوبي والتحالف”.
ويضيف: “أما في الوادي، فالوضع مختلف تماماً، حيث يعيش السكان في قلق دائم. إن مطلب أبناء حضرموت بنشر النخبة في الوادي ليس ترفاً، بل هو ضرورة ملحة لإنقاذ المنطقة من براثن الإرهاب والفوضى.”
ويستطرد المهدي في حديثه “للصوت الجنوبي”: “إن نجاح تجربة النخبة الحضرمية في الساحل، والتي يقودها أبناء حضرموت أنفسهم، يجب أن يكون حافزاً لتكرارها في الوادي. التأخير في حسم هذا الملف الأمني يخدم فقط القوى المعادية لاستقرار حضرموت والجنوب بشكل عام، ويعيق أي تنمية حقيقية.”
أبعاد تتجاوز التسليح التقليدي
عند تحليل عوامل نجاح قوات النخبة الحضرمية، يتجاوز الأمر مجرد الدعم العسكري التقليدي المتمثل في التسليح والذخيرة. يرى مراقبون أن التجربة الحضرمية، والدور الإماراتي فيها على وجه الخصوص، يمثل نموذجاً للشراكة الاستراتيجية التي تشمل نقل الخبرات المتقدمة، والمساهمة في إرساء منظومة أمنية متكاملة تعتمد على أحدث التقنيات الاستخباراتية، وسرعة اتخاذ القرار العملياتي، والاحترافية العالية في تنفيذ المهام القتالية والأمنية.
وقد أثبتت قوات النخبة الحضرمية، عبر سلسلة من العمليات النوعية والمعقدة، فعاليتها اللافتة في التعامل مع بيئات أمنية صعبة، مع حرص واضح على الالتزام بقواعد الاشتباك وتجنب الإضرار بالمدنيين الأبرياء أو البنية التحتية المحلية، وهو ما أكسبها ثقة ودعم المجتمع المحلي.
وتؤكد قيادات ميدانية في النخبة الحضرمية، في أحاديث غير رسمية، أن من أبرز عوامل النجاح العملياتي يكمن في الاستقلالية النسبية في اتخاذ القرار الميداني، والاعتماد على شبكة معلومات استخباراتية دقيقة ومحلية، بالتوازي مع الدعم السياسي والمعنوي الذي تتلقاه من السلطات المحلية الفاعلة في حضرموت، والممثلة في كثير من جوانبها بالمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يتبنى مشروع استعادة الدولة الجنوبية.
فجوة الأمن بين الساحل والوادي
رغم النجاحات الأمنية المسجلة في ساحل حضرموت، فإن الفجوة الأمنية المتسعة بينه وبين مناطق الوادي تثير مخاوف متزايدة من تحول الأخيرة إلى بؤرة دائمة للجماعات المتطرفة، وساحة خلفية لتهديد أمن الساحل المستقر.
وقد أشار تقرير حديث صادر عن “مركز الأحقاف للدراسات الاستراتيجية”، وهو مركز بحثي محلي، إلى أن “غياب توازن القوة الأمنية الفاعلة بين منطقتي الساحل والوادي يهدد بتقويض الجهود الرامية لبناء نموذج أمني موحد وفعال في حضرموت، وقد يشجع قوى خارجية على استغلال هذا الانقسام لخدمة أجنداتها.”
في هذا السياق، تتصاعد المطالبات الشعبية والسياسية في حضرموت بضرورة تحقيق تكامل حقيقي في الجهود الأمنية بين جميع القوى العسكرية والأمنية الوطنية، وتوسيع نطاق صلاحيات وعمليات قوات النخبة الحضرمية لتشمل مناطق الوادي والصحراء، لا سيما مع استمرار المؤشرات على تصاعد النشاط الإرهابي هناك، والحاجة إلى فرض هيبة الدولة وسيادة القانون.
ويجمع محللون سياسيون وعسكريون على أن قوات النخبة الحضرمية، كأحد أبرز تشكيلات القوات المسلحة الجنوبية، تمثل اليوم مثالاً حياً على ما يمكن أن تثمره الشراكة الفاعلة بين القوى المحلية المؤمنة بقضيتها والراغبة في بناء مستقبل آمن، والدعم الإقليمي الصادق، لا سيما حين يقترن ذلك بإرادة سياسية جنوبية واضحة وحاسمة.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه أحدث العمليات الأمنية في المكلا قدرة القوات الجنوبية على التصدي للتهديدات المتصاعدة بحرفية عالية، تبقى الحاجة ماسة إلى تدخل أمني شامل وحاسم في وادي حضرموت، يقوده تنسيق فعال بين القيادة السياسية للمجلس الانتقالي الجنوبي والتحالف العربي، وبمشاركة أبناء الوادي أنفسهم، لوضع حد نهائي لمسلسل الاغتيالات والانفلات الأمني، وتجفيف منابع الإرهاب بشكل كامل.
مايو 22, 2025
مايو 22, 2025
مايو 22, 2025
مايو 22, 2025